
هناء فتحى
ربيع الممالك.. خريف الملوك
لا عاصم اليوم ينجيك ولا قلاع ستحميك.. ولا تظن أنك قد فررت بجلدك ورأسك من المقصلة لأنك فى ليل الثلاثاء الماضى كنت صدفة أو قصدا خارج المملكة! ولم تكن داخلها حيث «البانيك».. والهوان المروع لأكابر الصناعة والبلاد؟ سيأتيك اليقين فى أى أرض تكون فلا تأمن جانبك.. ولا أخاك وأمك وأباك.. فلا أموالك ولا حصونك ستنجيك من القدر المحتوم.. فى كل ممالك الدنيا.. حتى ولو كنت فى المملكة المتحدة.. وفى أمريكا كمان: فما حدث من انهيار صناعى وأخلاقى لزعماء مؤسسة هوليوود لصناعة السينما.. ثم السيطرة على شركاتهم ليس إلا ذات القدر المحتوم.
فالطير الأبابيل لا تراقص سماء شرق المتوسط وحدها.. لكنه يرمى حجارته فوق بلاد بشمال المتوسط كانت حتى وقت قريب آمنة و«مفترية ظالمة».. ولم تنج من المصير شبه الجزيرة المنيعة فى غرب الأطلنطى، حيث أمريكا الشمالية.. ثمة أماكن لم تتكشف بعد: فإليزابيث قد أدرجوها هى الأخرى فى القائمة وتنتظر دورها إلى المقصلة.. أما «بوتين» فله حكاية أخرى طازجة حارة على غير ما ألفت رياحه ورياح صديقه ووزيره «مدفيديف».
فلا عاصم اليوم ينجيك أنت وعرشك وأهلك وزكائب أموالك.. فإلى أين ستمضى مختبئًا مذعورًا وبلاد الدنيا صارت زنازين ضيقة وشواهد قبر مطمورة؟ ولا كبير فى هذا العالم المجنون ينصفك.. فالكبير مثلك مذعور ينتظر.. فى شرق المتوسط وغرب الأطلسى.
ما حدث الثلاثاء الماضى بشرق المتوسط لم يكن أبدًا مفاجأة.. فلم يكن سوى تنفيذ آخر مراحل برنامج «ترامب» الانتخابى المعلن للعالم فى نهاية 2016 وقبل أن يفوز بأمريكا وزكائب أموال الدنيا.. وقد حدث.
أما ما سوف يحدث فهو أيضًا ليس مفاجأة.. فقد جرى ذكره فى أوراق أخرى لا تخص ترامب.. عشرات آلاف الأوراق المسربة حكت ما سوف يحدث للعالم - رجاله ونساءه الأكابر.. حكامًا وفنانين ورجال أعمال - بالقلم وبالمسطرة: فقبل أحداث الثلاثاء الماضى بأيام قلائل انطلقت حرب إلكترونية أعنف من البارود والكيماوى.. حرب وثائق وتلطيخ سمعة وشرف لكل الأسماء الكبرى الحاكمة فى السياسة والفن:
1- Paradis Papeأو أوراق الجنة
وهى آلاف الوثائق المسربة عن طريق الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين يرصد فى 13 مليون ورقة عن عشرات الأسماء النافذة الحاكمة والمتحكمة فى العالم متهمين بسرقة وبغسيل أموال وتهرب ضريبى.. منهم إليزابيث ملكة إنجلترا ونجمة الغناء «مادونا» ونجم بوليوود «أميتاب باتشان».. وكذلك «ستيفن برونجمان» كبير مستشارى الرئيس الكندى «ترود».. وكذلك أيضًا وزير تجارة ترامب وعلاقته تجاريًا وسياسيًا بصهر فلاديمير بوتين.. وثمة أسماء أخرى كثيرة.
2- قامت كوريا الشمالية بسرقة 40 ألف وثيقة عسكرية سرية حساسة من كوريا الجنوبية.. وثائق تحوى شرحًا دقيقًا لأنظمة التسلح الخاصة بالغواصات والمدمرات.. بالتأكيد هذا لا يهدد كوريا الجنوبية بقدر ما يهدد الترسانة الأمريكية القابعة هناك.. هنا سنسأل كثيرًا عن الضعف الأمريكى والصمت الواضح تجاه قاذفات السباب والنكات والبيانات اليومية من قبل الرئيس الكورى الشمالى تجاه الرئيس الأمريكى الشمالي!.. أظن الحرب بينهما ستقف عند حدود الكلام.
3- حرب أوراق أخرى تجرى فى روسيا بعيدة عن سيطرة بوتين.. فما عاد يستطيع اختيار منافسيه الرئاسيين بضعفهم وانتمائهم إليه .. فثمة مرشح معارض قادم لروسيا.. ليبرالى الهوى ينتمى جهرًا لجماعة ضغط أمريكية اسمه «أليكس نافالتى».. الكرملين لم يسكت بالطبع، حيث أخرج له تهمة قديمة من 2013 تتعلق باختلاس أموال، وقد تم الحكم عليه وقتها مع إيقاف التنفيذ.. يقول الرئيس الروسى المحتمل أليكس: إن السياسة ليست ما يقرره الكرملين، بل ما يحدث فى الشارع.. فما كان من الكرملين إلا أن حظر قناته التليفزيونية التى يشاهدها مليون ونصف المليون مشترك.. وتم منعه من الظهور فى القنوات الحكومية! شوف إزاي؟ حاجة غريبة.
فلا عاصم اليوم ينجيك سواء كنت فى شرق البحر المتوسط أو شماله أو شمال البحر الأسود أو غرب الأطلنطى.