د. مني حلمي
أبى ... لا تُهِنْ هذه المرأة إنها «أمى»
إن «الأم»، هى أولى محطات الارتباط العاطفى، للطفل، بل إنها الخيط الأساسى الذى يربطه بالعالم الخارجى الذى يربطه بالحياة. الأم، للطفل، ليست «رمزا» للحياة.
ولكنها هى الحياة، فإذا حدث «خلل» فى علاقة الطفل بأمه، يحدث خلل فى علاقته بالحياة كلها.. خلل يكبر مع الطفل، ويتطور معه.
وأكبر خلل يراه الطفل داخل الأسرة الذكورية هو رؤية أمه، مصدر الطعام، والدفء، والأمان، والحنان، «تُهان» جسديا ولفظيا ونفسيا، من قبل الأب الذكورى، المتسلط.
ويتعرض الأطفال لتلك المفارقة البشعة حتى لو كانت غير واعية، أن يروا «الأم» المخلوقة الوحيدة التى تصلهم بالعالم «مقهورة»، لكنهم «عاجزون» عن حمايتها والدفاع عن حقوقها وكرامتها. وأمام هذه المفارقة يشعر الطفل بالتقصير وتأنيب الضمير، لكن الأسمنت المسلح الذى بنى البيوت الذكورية على مدى آلاف السنوات، يجعله يتكيف مع «إهانة» الأم، و«إهدار» كرامتها.
يدخل الطفل فى صراع نفسى يمزقه، بين حبه لأمه وبين الخضوع للأب الذى يمد ذكوريته وتسلطه، إليه هو الآخر.
النتيجة الطبيعية، طفل مشوه، تعيس، مهان، مطيع، مزدوج العاطفة، بين «حب» الأم، و«إرضاء» السلطة الذكورية.
يكبر الطفل، وبداخله «عنف» مكبوت، غامض، دائم الإلحاح، ممتزجًا بأنواع ودرجات من العنف، والتطرف، والتعصب.
ما أكثر الشخصيات العنيفة المتعصبة المتطرفة التى تعيش معنا وترهبنا دون أن تحمل سلاحا، ودون أن تسفك الدم.
إن غالبية الحُكام، على مر التاريخ، الذين تسببوا فى الحروب، والتدمير، وسفك دماء وإشاعة الخراب، كانوا أطفالا «تعساء»، تعرضوا للقهر والضرب والإذلال والاغتصاب. ورأوا بأعينهم، كيف تتحول «الأم» رمز الحياة إلى «الإهانة» الذكورية بجميع أشكالها ودرجاتها وهم عاجزون عن حمايتها، وحماية أنفسهم.
إن القاسم المشترك بين الرجال الناجحين المبدعين الأسوياء فى مجالات مختلفة، أنهم كانوا أطفالاً، سعداء، يستمدون سعادتهم، وكرامتهم من سعادة وكرامة أمهاتهم.
إنه شىء مألوف أن يعترف الرجل منهم، قائلا بكل فخر: «أمى هى التى صنعتني».. أو «أمى علمتنى الكرامة وعزة النفس».. أو «هذا من فضل أمي».
بينما نجد أن الرجال الذين أهينوا، ورأوا إهانة الأم «يستعرون» من أمهاتهم اللائى كن ضحية الإرهاب الذكورى داخل الأسرة، حتى اسم الأم، يصبح نوعًا من العار.
إذا كنا نريد فهم بعض الأبعاد النفسية للشخصية العنيفة المتطرفة، فهذا معناه تكوين أسرة صحية، سوية.
والأسرة السوية الصحية ليست هى الأسرة المتيسرة اقتصاديًا.
فقد رأينا شبابًا يتطوعون للانضمام إلى التيارات الإرهابية التكفيرية الدموية وهم من خلفية اقتصادية وعلمية عالية ومتميزة.
لكننا نقصد بالأسرة السوية الصحية، تلك التى تحررت من التوجه الذكوري.
وخالية من التوجه السلطوى الأبوى ضد الأمهات، والأطفال. الآباء «المتسلطون» فى المجتمعات الذكورية هم منْ يبدأون بالفعل الإرهابى الأول.
ونقصد به «إهانة»، و«إذلال» الأمهات أمام أعين أطفال أبرياء، يختصرون الحياة فى كلمة «الأم».
«إهانة» النساء و«إذلال» الأمهات.. يا لها من خطيئة!
من واحة أشعاري
يسألنى «البحر» عنك بماذا أجيبه
لا شيء عندى إلا الصمت
والشرود ومناجاة السما
يندهش «البحر» ويحتار
ويلقى غضبه
بين الأمواج الزرقاء
يشدنى «البحر» إليه
حتى الغرق الأخير
حتى الوجع الأخير
هكذا يُسدل الستار
على سفينتى التائهة
وهكذا هى أخلاق «البحار».











