عصام عبدالجواد
الاستثمار الحقيقى
لم أكن أتصور أن هناك شبابًا ورجالاً عندهم حب الوطن أكبر من أى شيء حتى من أنفسهم بهذا الشكل الذى رأيته بأم عينى الأسبوع الماضى من خلال الصدفة وحدها التى قادتنى إلى أن أكون فى قلب منتجع الجلالة خلال إجازة قصيرة قضيتها فى منطقة الزعفرانة، وكان عليّ أن أمر بمنطقة الجلالة من خلال الطريق الجديد الذى تم افتتاحه منذ عده شهور وهو طريق ذو مواصفات عالمية، لكن الأهم من الطرق واسستصلاح الجبل والنحت فى الصخر هو البشر أنفسهم. شباب ورجال يعملون تحت درجة حرارة تصل إلى 55 درجة مئوية والبعض منهم يعمل فى وقت الظهيرة، وهو يحمل فى يديه أسطوانة لحام أوكسجين تخرج منها نيران كثيفة تجعل المكان كأنه جهنم الحمرا ويتصبب منه العرق الشديد، لكنه لا يبالى ويعمل بجد واجتهاد حبا فى هذا الوطن.
هؤلاء هم أبطال حقيقيون مثل أبطالنا من رجال القوات المسلحة والشرطة الذين يضحون بأنفسهم من أجل الوطن.
ففى هذا المكان أكثر من 60 ألف عامل وفدوا من جميع محافظات مصر للمشاركة فى بناء المستقبل يعملون طوال 24 ساعة بدوريات متتالية بلا ملل أو كلل ويعملون بدون تفكير فى حرارة الشمس الحارقة غير مبالين بأى شيء حولهم رغم قسوة صخور الجبال العاتية.
عندما تصل إلى منطقة الجلالة لا تصدق أن الجبال الصخرية الشاهقة استطاع أبناء مصر بسواعدهم أن يزيلوها ويحولها إلى مسطحات ضخمة فاستطاعوا شق صخور أعتى الجبال ومهدوا الممرات فوقها حتى لتشييد المبانى والمنتجعات العملاقة.
الغريب أن كلا منهم معه زجاجة مياه فى البداية تكون باردة، ثم فى دقائق معدودة تتحول إلى مغلية وأحيانا تتبخر من شدة الحرارة، ومع ذلك لا يبالى بشرب الماء مثلجا أو ساخنا، ولكن المهم عندهم هو العمل الجاد من أجل مستقبل بلادهم.
مشروع الجلالة ليس مجرد مشروع ترفيهى، فمن خلال رؤيتى له أيقنت أنه إحدى الثمار الحقيقية فى شجرة التنمية التى تمهد لها مصر لتكون من المشروعات القومية العملاقة.
فطريق الجلالة يبلغ 82 كيلومترًا يشق الجبل من العين السخنة امتدادا لمحور 30 يونيو حتى طريق الزعفرانة بداية من الكيلو 118 طريق السخنة حتى الكيلو 10 طريق بنى سويف الزعفرانة الموازى للبحر، وكذلك يربط العديد من طرق الجمهورية ببعضها، حيث يبدأ من الطريق الدولى الساحلى بالتقاطع مع محور 30 يونيو جنوب بورسعيد مرورا بالكيلو 90 طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى، ثم طريق السويس وغيرها من الطرق، لكن الحقيقة أن شهرة طريق الجلالة الحالى أو طريق السخنة الزعفرانة كان يتوسطهم جبل الجلالة العملاق الذى كان لابد من تفجير الصخور الضخمة لتمهيد الطريق فى إعجاز هندسى بكل المقاييس لعمل الطريق بين المدينتين فى زمن قياسى ليتم إنشاء مدينة الجلالة عليها، على ارتفاع 700 متر من سطح البحر لتتم تسوية أرض الهضبة وردم الحفر العميقة من خلال استخدام كميات من الصخور الناتجة من التفجيرات بأسلوب علمى وهندسى.
ما شهدناه فى الجلالة يفوق الوصف فهناك استثمارات حقيقية فى هذا المكان الذى لا يعرفه أغلب المصريين ومميزات هذه المنطقة أن استثماراتها متنوعة ما بين استثمارات ترفيهية وصناعية وعلمية وعمرانية.
هذا المشروع يؤكد أن المصريين بسواعدهم هم صناع المعجزات فى الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل مشروع الجلالة يشبه فى إعجازه بناء الأهرمات وأبوالهول وشق قناة السويس وبناء السد العالى وغيرها من المشروعات التى استطاع الإنسان المصرى أن يتحدى المستحيل ويحول الحلم إلى واقع.
هذه المنطقة سوف تكون قبلة للاستثمار لأن بها مشروعات عالمية ضخمة سوف تظهر فى الصورة للمصريين فى القريب العاجل. كل ما هو مطلوب تسليط الضوء على هذا المشروع والمشروعات الأخرى التى تقام على أرض مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية التى أعتقد أنها فى طريقها إلى مصر خاصة فى مناطق الجلالة والعلمين وشرق بورسعيد والفرافرة وغيرها من المشروعات القومية التى تضع مصر على الطريق الصحيح.
إن رؤية العمل على أرض الواقع تختلف كثيرا عما تقرؤه أو تشاهده عندما ترى العمل بهذا الشكل الذى شاهدته ورأيته لابد أن تشعر بالفخر بمستقبل كبير لهذا البلد.
تحية طيبة لأبناء مصر الأوفياء الذين يعملون ليل نهار تحت لهيب الشمس وبرد الشتاء وتحية لكل من فكر وخطط لهذه المشروعات التى سوف تغير وجه مصر فى المستقبل، المطلوب فقط تسويقها داخليا وخارجيا حتى تنهض بالوطن ونضعه على الطريق الصحيح وفى المكانة التى تستحقها مصر.







