
هناء فتحى
من أنتم؟!
داعش لا يفنى ولا يخلق من عدم.. نعم.. فهو ينبت وينمو ويترعرع ويتسامق ويطرح ويورث فى عقول الرجال- حتى ولو كانوا من الشيك الطعمين خالص - ولو لم يتخرجوا فى كليات أزهرية.. ولو لم يطلقوا اللحى ويوشموا الجباه بالزبيب الأسود المنثور.. أظنه فكرة شيطانية تسرى كالفيروس من مشيمة الأم إلى حليب الرضيع-فالداعشى غالبا هو ابن أمه- حتى ولو كبر وصار رجلا من السوكومونو المتسهوكين.. أولئك الذين فى كلامهم حلاوة وفى سمتهم طلاوة.. الرجل داعشى بالرضاعة.. بالنشأة الذكورية حين يتهدهد من يد أم تبدع فى الحنان لامرأة عاشقة تبرع فى المذلة.. هنا ينمو فى الصدر- صدره- قلب مستذئب.
الداعشية أو المستذئبية هى سلسلة أصوات صاخبات تصم الأذن تبدأ من صرخة الـ«واء واء» الأولى وتستمر حتى وحشية مذابح الـ«واق واق» وسلخ الوجوه وسلق القلوب والأكباد وسبى النساء كما حدث فى سوريا والعراق.. أو تشويههن بحمض الكبريتيك كما يحدث فى لندن هذهِ الأيام أو بقص شعورهن وآذانهن كما يحدث فى قرى الهند الآن أو بختانهن كما يحدث فى ألمانيا الآن.. أو بالسخرية منهن كما حدث من الرئيس الأمريكى مع زوجة الرئيس الفرنسى الأسبوع الماضى.
الداعشية المستذئبية هى نظرة الرجل للأنثى ولو كان مستنيرا مفوها.. ولو كان رئيساً.. تبدو فى شكلها النهائى مرضا أشد خبثا من السرطان لا يدرى صاحبه بالداء الذى ينخر فى خلاياه سوى عند النهاية.. نهاية العلاقة.
فمن منح الرجال حق «قولبة» النساء وتشكيل هويتهن؟ ولماذا تركته المرأة عبر السنين الغابرات يضع لها قوانين الوجود والعدم؟.. من أنت؟
الإجابة: هو كل هذهِ الحوادث البشعة التى استيقظ عليها سكان العالم الأسبوع الماضى فى الهند وألمانيا وإنجلترا وفرنسا.. وبلادنا بالطبع.. فمازلت أرى أن أصدق أشكال المستذئبية المصرية فى تجلى وحشيتها ما حدث مع طالبة الصفر مريم فى العام الماضى.. حين اجتمعوا ليسلبوا تفوقها ويمنحوه أحد «الذكور» ربما لأنها أنثى ومسيحية فى ذات الوقتِ.. ثمة أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها الآن.
ثمة حادثة هى الأكثر رعباً وبشاعة فى هذا السياق حدثت ذات مساء دامٍ حين استيقظت على وجع الألم ولون الدم 12 فتاة هندية من عدة قرى فقيرة وعثرن فوق الوسادة على شعورهن الطويلة الجميلة مقصوصة مجتزة حتى حدود شعر الرجال وعلى الوسادة أيضاً وجدن أذنهن مقطوعة مدممة.. ولما صارت الحوادث متكررة والجانى غير معلوم إلا من رسائل تهديد ملقاة بالمنزل.. رسائل تهدد بالمزيد من القهر والعنف تجاه كل فتيات البلد.. ساعتها قام آباء البنات بالسهر ومراقبة المنازل التى يتم فتح شبابيكها خلسة ثمّ يقومون برش مخدر فى أرجاء المنزل حتى يتم قص شعور البنات وقطع إحدى الأذنين!! أنظر ماذا فعلت الأم تجاه هذهِ الجريمة؟ بعض الأمهات فى الهند أرجعن الحوادث للجان والشياطين ورحن يطلقن البخور كيّ يطردن الأرواح.. غير مباليات برسائل التهديد الإنسية.. غير مصدقات أن بعض «رجالات» القرية.. بعض شباب الحى.. بعض أفراد الأسرة من يفعل ذلك.. أولئك الذين تمنحهم مجتمعاتهم حق تشكيل النساء وسن قوانينهن ومواعيد موتهن.. فلماذا تتبنى بعض الأمهات إدارة معامل تفريخ الدواعش؟
الأمر الأسوأ أن المستذئبين انطلقوا من مجتمعاتنا العقيمة بأفكارها إلى أوروبا حيث كانت مثل تلك الحكايا التى طالت مجتمعاتهم بقوة هى من قبيل التندر على مجتمعاتنا الشرقية.. ففى جنون منقطع النظير استشرى إلقاء حامض الكبريت على الفتيات فى شوارع لندن بالذات.. الشباب المتهمون المقبوض عليهم ينتمون لكل الديانات، وليسوا فقط من المسلمين اللاجئين من بلاد الدواعش والقتل بالمجان.. الجناة كانوا من أبناء عائلات أوروبية ذات أفكار متحررة تصنع أفلاما طريفة عن تخلفنا المقيت.. فما الذى يحدث فى لندن هذهِ الأيام؟ وكيف صارت المملكة المتحدة من أعلى معدلات الإصابة بالمحلول الحمضى فى العالم؟
وألمانيا كذلك.. صرحت السيدة تير دى قام صاحبة إحدى منظمات حقوق الإنسان المعنية بالمرأة واسمها «أرض النساء» أن 13 ألف طفلة ألمانية مهددة بجريمة الختان- الختان فى أوروبا جريمة يعاقب عليها بالحبس- وأن عدد المختونات قد ارتفع العام الماضى فقط 4000 حالة عن الأعداد الأخيرة التى صارت فى مجملها 47 ألف حالة فى ألمانيا فى الـ 10 سنوات الأخيرة.. بالطبع معظمهن ألمانيات من أصول إفريقية وآسيوية.. فما كان من أمريكا إلا وأن أعلنت هى الأخرى أنها بصدد وضع قوانين تجريم الختان الذى ارتفع عدده ليصل إلى نصف مليون امرأة داخل الولايات.. الحقيقة أمريكا موكوسة برئيسها الحالى: ففى مشهد مزرٍ أثناء استقباله وميلانيا من قبل الرئيس الفرنسى وزوجته إذ بترامب وبعيدا عن عيون زوجته يختلى بالسيدة الفرنسية الأولى بيرجيت ماكرون ويثنى على مظهرها قائلاً لها إنها لا تحتاج لإكسسوارات.. ترامب يعاملها باعتبارها من حريمه الكثيرات المتسابقات فى عرش ملكوته الزائل وليست باعتبارها السيدة الفرنسية الحرة.. السيدة الأولى زوجة الرئيس.. أى أم داعشية تلك التى رضع ترامب أفكارها وحنانها المستذئب؟!.>