عصام عبدالجواد
الخطر القادم
مع اقتراب نهاية تنظيم داعش وإنهاء وجوده كلياً بعد خسارته مساحات كبيرة فى سوريا والعراق وليبيا وبعد تصفية أعداد كبيرة من أعضائه فى دول أخرى، حاول التنظيم الانتشار فيها والسيطرة عليها؛ بدأت تساولات كثيرة تفرض نفسها اليوم بخصوص المرحلة المقبلة والتى يطلق عليها مرحلة ما بعد داعش وهى المرحلة الأكثر أهمية والأشد خطورة.
فقد ترك التنظيم الإرهابى قنابل موقوتة فى المناطق التى سيطر عليها وعاث فيها فساداً والتى تكاد تنفجر فى أى وقت وتشكل خطرا أكبر من التنظيم نفسه.
ويعد أخطر ما خلفه هذا التنظيم على الصعيد الاجتماعى قضية الأطفال الذين ولدوا فى سوريا والعراق وليبيا من آباء إرهابيين والأطفال غير الشرعيين الذين لايعرفون شيئا عن آبائهم وفى بعض الأحيان لا يعرفون أيضا شيئا عن أمهاتهم وهم الذين يطلق عليهم تنظيم داعش الإرهابى (أشبال الخلافة) وهؤلاء لا يملكون أى وثائق رسمية مما يثير الغموض حول مستقبلهم على اعتبار أنهم جيل بلا جنسية، ومن هنا تثار تساؤلات كثيرة بشأن هؤلاء الأطفال فهل سيتم التكفل بهم لمنعهم من التوجه إلى التطرف على غرار آبائهم أم أنهم سيعيشون ويتركون حتى يتحولوا إلى الخطر الداهم على مستقبل العالم باعتبار أنهم ولدوا فى بيئة متطرفة؟ رغم أنهم صفحات بيضاء يمكن طباعة الأيديولوجية المتطرفة عليها منذ الصغر؟.
فوضع أطفال داعش أصبح حقيقة لا يمكن أبدا إنكارها أو تجاهلها بل يجب الاعتراف بها بشكل علنى ووضع الحلول والإجراءات الكفيلة لمواجهة خطرها الداهم، وهو خطر قد يكون أكبر بكثير من خطر داعش نفسه لأن الأجيال المتطرفة فى الصغر تكون أكثر شراسة وأكثر دموية فى الكبر وخطورة خاصة أن أغلبهم غير مسجل فى دفاترالتطرف والإرهاب مما يتيح لهؤلاء التحرك بشكل سهل ويسير.
فتنظيم داعش الإرهابى لم ولن يتوقف عند تدمير البشر فحسب بل طال تاريخ الحضارات وآثارها وبدأ فى تدمير كل ما هو أثرى ويحمل عبق التاريخ.
وقد طالت ضرباته البيئة الوجدانية والروحية للفرد وتجريده من كل المشاعر الإنسانية فهو يركز على ترسيخ فكر الامتثال للأوامر فى عقول الأطفال البريئة ويعتمد فى إعدادهم على أسلوب ممنهج فى بناء فكر إرهابى يتعارض كليا مع التعامل الإنسانى.
فمذ ظهور داعش قبل سنوات ظهر اهتمام التنظيم بتجنيد الأطفال واستخدامهم فى الترويج لأفكاره أو تنفيذ الإعدامات أو التفجيرات الانتحارية فى نهج يبدو مختلفاً لما سبقه من تنظيمات متطرفة مثل القاعدة والجهاد وطالبان وبوكو حرام وغيرها من التنظيمات الإرهابية.. هذا الأمر دفع منظمات حقوقية إلى دق ناقوس الخطر بعد دلائل على ارتكاب داعش انتهاكات وجرائم حرب من خلال تجنيد الأطفال وتنفيذهم أعمالاً قتالية ظهر فيها هؤلاء الأطفال أكثر دموية من أعضاء التنظيم أنفسهم.
وأكدت المنظمات أن السبب وراء إعطاء التنظيم الأولوية للأطفال لضمان الولاء لهم على المدى البعيد فهم مستقبل استمرار التنظيم.
فهل لنا أن نتنبه قبل فوات الأوان ويتم احتواء هؤلاء الأطفال ؟! وانتشالهم من الفكر المتطرف ومحاولة إدماجهم فى مجتمعاتنا أم أن التركيز سيبقى فقط على مطاردة أعضاء التنظيم ونترك لهم هؤلاء الأطفال ليصبحوا فى المستقبل القريب أكثر شراسة ودموية علينا من أعضاء التنظيم الحاليين أنفسهم؟
نرجو من الله ألا يحدث ذلك.







