
هناء فتحى
سوريا مفرزة الدراما
هل لاحظت أو راقبت كيف أن كل تلك الرياح العاصفة التى اجتاحت منطقتنا فى موسم واحد والتى وصفها الغرب بأنها «ربيعنا العربي» رغم كل ما خلفته من إبادة للروح والعقل والأرض والمستقبل!!.. هل لاحظت كيف أنها انحسرت وتكومت واستقرت وتزوبعت عند حدود الوطن السوري؟ وكأن سوريا وحدها هى من شربت ماء المهل من السعير.. الإرهابى الذى هاجم الشرطيين عند كنيسة نوتردام فى باريس منذ 4 أيام صرخ قائلا: هذا من أجل سوريا.. مع أن الرجل ليس سوريا.. صار كل انتقام يتلقاه الغرب فى مواطنيه ومؤسساته على أرضه هو: من أجل سوريا.. حتى ولو تبناه داعش الذى قد تم صنعه وابتكاره والتلاعب به: من أجل سوريا والعراق.. لكن رجالاته الذين باتوا الآن يعربدون فى خرائط أوروبا وأمريكا: من أجل سوريا وحدها.. لاحظ أن العراق قد اقترب من التحرر.
وأنت لا تعرف أى آية أو حكمة تلك التى تم فيها استبدال نكبة فلسطين بأزمة سوريا ..بحيث توارت فلسطين وانطمرت فى شقوق الذاكرة وسطعت سوريا وحدها من جرحها الزاهي.. ورغم الخراب الراشق فى الخريطتين الليبية واليمنية.. ومن قبلهما فى الخريطة العراقية.. تجد أن كل أفعال الإرهاب فى العالم تحدث ردا على ما جرى ويجرى فى سوريا، ولا أحد ينتقم لأى من بلاد الربيع وهم كثر.. فلم يصرخ إرهابى قائلاً هذا: من أجل اليمن ولا هذا من أجل فلسطين.. مثلاً يعنى.
فى الهجمات التى شنتها داعش فى لندن السبت الماضى وأسفرت عن وفاة 7 مواطنين وجرح أكثر من 50.. خرج بيان التنظيم معترفا بالجريمة مكتوباً بلغة فيها من القسوة والتشفى والدقة ما فيها، وفيها من البلاغة و الوصف مالم يحدث من قبل: «إن مفرزةً من مقاتلى داعش نفذت هجمات لندن»، فالتنظيم الذى تم التلاعب به وتدريبه وتسليحه وتمويله وزرعه فى بلادنا يرسل للغرب -فى بريطانيا البلاد التى اخترعته وآوته -رسالة بليغة.. ولا أعرف كيف ترجموا لفظة «مفرزة» إلى الإنجليزية؟
هل ترى أية علاقة بين ما سبق وبين تلك التراشقات الخفية غير المفهومة والمتبادلة من وإلى الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» وعمدة لندن المسلم «صادق خان»؟ للمرة الثانية يكرر الرئيس الأمريكى سلوكه تجاه الإرهاب فى بريطانيا.. الإدارة الأمريكية لا تصدر أيه بيانات شجب واستنكار.. لكن ترامب فوراً وتواً يتوت على حسابه الخاص متهكما على عمدة لندن صادق خان: «7 قتلى و47 مصابًا وعمدة لندن يقول ليس هناك سبب للقلق».. عمدة لندن لا يرد بتويته بل بتصريح أنه ليس لديه الوقت للرد على ترامب وأنه صار مثيرا للشفقة.
تلك الحرب الخفية بين أول عمدة مسلم للعاصمة البريطانية وبين أول رئيس أمريكى يحاول حظر أبناء عدة دول عربية وإسلامية من دخول أمريكا.. بدأت حينما انتقد صادق خان خطاب ترامب أثناء حملته الانتخابية ووعوده بحظر 7 دول إسلامية من دخول الولايات.. لم ينسها له ترامب.. للمرة الثانية بعد حدثين إرهابيين فى لندن يتوت ترامب ساخراً مستهزئا.. لكن رئيسة الوزراء تيريزا ماى هى الأخرى لا تعبأ بشطحات ترامب ولم تعلق لكنها اعترفت فى الحادث الأخير: بأن بلادها تأوى الإرهابيين وتقدم الدعم لهم.. ويجب أن يتوقف ذلك وأن يحارب التطرف بالفكر عن طريق الإنترنت لوقف انتشاره.
لماذا يسخر ترامب من عمدة لندن بعد كل حادث إرهابى ببريطانيا.. بينما لا يقوم بالفعل نفسه- يتوت أو يسخر- من الحكومة الفرنسية ولا حتى من عمدة نيويورك.. والإرهاب فيهما شغال على ودنه.. مثلاً يعني؟ هل لأن عمدة لندن مسلم؟ هل يتوقع ترامب أن يسمعها؟ تلك العبارة العاصفة: هذا من أجل سوريا.. ويقينا لن يسمعها من صادق خان بالذات.. لأن صادق خان يحكم لندن ويحمى لندن.. والحاكم هناك لا يخون مواطنيه.. وترامب أيضاً بتركيبته النفسية الخاصة يعرف.. لكنه يخاف أن يسمعها من حاكم مثله.
انظر كيف صارت سوريا ملكة للدراما فى العالم - مسلسلات وسياسة - وكيف لها ومن أجلها يتناطح الإرهاب بعضه بعضاً.