
طارق الشناوي
هابى بيرث داى تو «سُمعة»!!
مرت مائة عام على ميلاد أصفى وأصدق ضحكة عرفها المصريون والعرب فى القرن العشرين واستمرت توابع هذه الضحكة محتفظة بطزاجتها على شاشات الفضائيات حتى الآن وهى لا ترتسم فقط على ملامح وجوهنا بل تترك وميضها فى قلوبنا. هذه المرة لن أتناول ضحكاته ولكن أقدم لكم دموع إسماعيل يس التى لم يرها أحد على الشاشة.
ماذا يحدث عندما تنحسر النجومية فى لحظة ما عن فنان كان يسكن قلوب الناس، أستعيد معكم هذه الوثيقة أقصد الرسالة وعمرها 47 عاماً.. إنها خطاب مفتوح كتبه «إسماعيل يس» إلى وزير الثقافة المصرى فى عام 1965 يشكو فيها من تضاؤل أعماله الفنية فى المسرح والسينما وقلة حيلته وهوانه على شركات الإنتاج السينمائية. وهذه الرسالة أغفلها المسلسل الذى كان يتناول حياة «إسماعيل يس» وعرض باسم «أبوضحكة جنان» فى رمضان قبل عامين. كانت الدولة فى تلك السنوات مسئولة عن الإنتاج السينمائى والمسرحى بعد أن سيطر الفكر الاشتراكى على الفن، ورغم ذلك فإن القطاع الخاص كان لايزال قائماً أيضاً، إلا أن «إسماعيل يس» وجد نفسه خارج أجندة منتجى القطاع الخاص وبنفس القدر خارج أجندة الدولة.. أفلام «إسماعيل يس» التى قدمها مع مطلع الستينيات لم تعد تدر أرباحاً على منتجيها، واكب ذلك بزوغ جيل آخر من نجوم الكوميديا كانوا يعبرون فى تلك السنوات عن روح الشباب وأعنى بهم «فؤاد المهندس»، «عبدالمنعم مدبولى»، «محمد عوض»، «أمين الهنيدى»، «أبو بكر عزت» و«محمد رضا».. كانت الناس تضحك أكثر مع ومن هؤلاء بينما كان يبدو أن إسماعيل يس يقدم كوميديا تجاوزها الزمن ولهذا اضطر إلى إغلاق المسرح الذى كان يحمل اسمه لأن شباك التذاكر كان يشير يومياً إلى أن المقاعد خاوية.. إلا أنه عمل بنصيحة أصدقائه، فقرر أن يجمع ما تبقى له من تحويشة العمر ويسافر فى رحلة للعالم العربى مصطحباً معه فرقته المسرحية.. ولم يدرك أن الأفول عدوى سريعة الانتشار انتقلت من مصر للدول العربية وأن خشبة المسرح عندما تخاصم نجم الكوميديا مرة لا تصالحه أبداً وأضاع إسماعيل كل أمواله ولم يعد أمامه سوى أن يعود مرة أخرى الى أرض الوطن مجروحا ومهزوما ولم يجد سوى شارع الهرم يستقبله لتقديم المونولوجات والنكت لجمهور من السكارى جاء لمشاهدة راقصة.
كانت حياته أشبه بالدائرة بدأ مونولوجست ناجحا وانتهى مونولوجست مهزوما وكثيراً ما كان «إسماعيل يسن» يفاجأ وهو يلقى نكتة أن أحد زبائن الملهى يقول له قديمة يا «سُمعة»- والزبون دائماً على حق-
لم يستطع الخطاب المفتوح لوزير الثقافة أن يفعل شيئاً، فلقد انهال «إسماعيل يس» بالهجوم ضد الموظفين الكبار الذين سدوا أمامه أبواب الرزق ولم يعودوا يسندون له أى أعمال فنية جديدة ولم يرق قلب الوزير وانتقم منه الموظفون الذين فضحهم. ولكن ظل الدرس هذا الخطاب أصبح وثيقة تشهد على أن فنانا جماهيريا بحجم «إسماعيل يس» يمر به الزمن ليستجدى العمل.. الحقيقة هى أن «إسماعيل يس» لم يدرك أن إيقاع أدائه بات غير مطلوب، وأن المنتجين الذين أثروا من أفلامه التى درت عليهم الآلاف عندما كانت الآلاف تساوى بمقياس هذه الأيام أكثر من الملايين، هؤلاء المنتجون أصبحوا يبحثون عن نجوم آخرين ولا يتبقى للنجوم الكبار الذين أصبحوا خارج نطاق الخدمة سوى الشكوى، وبرغم أن الدولة الآن نفضت يديها عن الإنتاج، إلا أن خطابات وشكاوى الفنانين الكبار للمسئولين يستجدون بها العمل لم تتوقف وترى فى ثناياها انحناء من أجل لقمة العيش وهى مع الأسف لقمة مغموسة بالذل وبالهوان!!.. ليس فقط الاحتياج المادى هو الذى يدفع الفنان إلى طلب العمل ولكن الرغبة فى التواجد والتنفس هى التى تذل أعناق النجوم عندما تتدركهم لحظات الأفول. عاش إسماعيل فى سنواته الأخيرة بلا ضحكات ولا تصفيق وبعد رحيله عاد إليه الضحك والتصفيق لنقول له فى عيد ميلاده المئوى هابى بيرث داى تو «سُمعة»!!