
محمد جمال الدين
الفيلم المسىء.. وميلاد 11 سبتمبر جديد
من حقنا جميعا كمصريين «مسلمين ومسيحيين» أن نغضب لعرض فيلم أمريكى هابط يسىء للرسول.. ومن حقنا أن نطالب باتخاذ إجراء حاسم ضد منتجى هذا الفيلم طبقا للمواثيق الدولية والقوانين التى تجرم أى فعل يثير الفتن، إلا أنه وطبقا لنفس المواثيق والقوانين مفروض علينا حماية البعثات الدبلوماسية ومقار السفارات الأجنبية مع الأخذ فى الاعتبار تمسكنا بحقنا فى التعبير والتظاهر السلمى الذى كفله لنا القانون أيضا.
تلك هى أهم الحقوق والواجبات التى فرضتها علينا أزمة الفيلم المسىء للرسول التى للأسف أيدها البعض من أقباط المهجر المصريين اسما.. ومصر وشعبها- مسلمين ومسيحيين- منهم براء.
الفيلم الهزيل الذى تعمد صانعوه والمروجون له خروجه للنور فى ذكرى مرور أحد عشر عاما على أحداث سبتمبر وما سببته من دمار وقتل لم يكن من قبيل المصادفة، وإنما كان الهدف منه تذكير العالم بما فعله البعض ممن ينتمون للإسلام لتوجيه إساءة متعمدة للإسلام ولمن يدينون به، وبالطبع ساعدهم فى ذلك القس الأمريكى المتعصب «تيرى جونز» الذى سبق أن حرق كتاب الله.
الفيلم ومن قبله حرق المصحف الشريف والرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول، جميعها أفعال تتم فى إطار الحملة المنظمة التى يقودها البعض ضد الإسلام والمسلمين لحض المجتمع الدولى على كره كل ما هو مسلم وما يمت للإسلام بصلة من قبل بعض المتعصبين هنا وهناك، مثلما هو موجود عندنا من تصرفات وممارسات من بعض المتعصبين الذين يطالبون بطرد الآخر وعدم الاعتراف به لدرجة وصلت معها الحال إلى الإساءة لبعضنا البعض لمجرد الاختلاف فى الرأي.
التعصب موجود عندهم مثلما هو موجود عندنا، ولكن ما جعل الأمر يدخل فى دائرة الخطر هو تأييد بعض أقباط المهجر لما قدمه الفيلم من محتوى يسىء للإسلام والرسول، مما أشعل الغضب والفتنة فى الداخل لدى بعض المتعصبين ضد المصريين المسيحيين، وخيرا فعلت قيادات الكنيسة المصرية وأقباط مصر جميعا بوقوفهم ضد هذا الفيلم واستنكارهم لما فعله بعض أقباط المهجر، وهذا ما يجب أن يفطن له من حاولوا اجتياح السفارة الأمريكية ولمن قاموا بالاعتداء على المنشآت وحرق المركبات وإلقاء الحجارة على الجنود المصريين الذين يقومون بأداء واجبهم فى حماية مقار البعثات الدبلوماسية.
إن حالة الفوضى التى تجتاح منطقة وسط البلد ومحيط السفارة الأمريكية تؤكد أن هناك من يزكيها وهدف هؤلاء فى النهاية تخريب البلد الذى لا يحتمل أصلا أى تخريب أو حالات فوضى، لأن مناخ مصر العام يسمح بانتشار الفوضى ليس فى وسط البلد وما يحيط به فقط، وإنما فى جميع أنحاء مصر، وهذا أمر طبيعى ويحدث فى كل البلاد التى اندلعت فيها ثورات وبالتالى يحدث الانقسام وتزداد الدعوات التى تنادى بالانفصال، ويستغل البعض هذا المناخ خصوصا فى مثل هذه الأجواء المتوترة التى كان من ضمن أسبابها فيلم منحط قام بإخراجه شخص عنصرى لا يعرف أى وجه للسماحة واحترام الآخر، وأيده فى ذلك قلة قبطية فقدت مصريتها منذ سمحت لنفسها بمهاجمة وطنها الأم، منفذة فى ذلك مخططا صهيونيا سبق أن دعا له واحد منهم يدعــى «موريــس صادق» وبمشاركة من آخرين.
من المعروف أن منطقتنا العربية تموج بالعديد من المتغيرات التى يجب علينا أن ندركها وندرك حقيقتها.. وهذا ما يجعلنا نقول: أليس من الغريب مثلا أن تعلن هولندا عن فتح باب اللجوء السياسى لأقباط مصر فى حالة اضطهادهم فى ظل دعوات متكررة من هنا وهناك تطالبهم بضرورة الهجرة من وطنهم فى الوقت الذى تم فيه تفريغ العراق من مواطنيه الأقباط، وفى الوقت الذى تغيرت فيه التركيبة السكانية فى لبنان وأصبح المسلمون أغلبية فى المجتمع اللبنانى، وهذا ما يجعلنا أيضا نطرح سؤالا عن حقيقة المطالبة بهجرة الأقباط من بلادهم وتفريغ دول الشرق الأوسط منهم ليصبح الأمر كأن الشرق الأوسط أصبح إمارة إسلامية كبيرة تحيط بدولة يهودية، وبالطبع ستصبح أوروبا بأكملها مسيحية، مما يفتح باب الصراع لحروب دينية جديدة تعيد للأذهان أيام الحروب الصليبية التى كان هدفها اجتياح دول الشرق والقضاء على الإسلام والمسلمين بهذه الدولة، وعلى من يتشكك فى هذا المخطط ويؤكد عدم واقعيته أن يبين لنا حقيقة الدعوات الانفصالية التى تتعرض لها منطقتنا، ففى السودان أصبح هناك شمال وجنوب، وفى العراق الحال نفسها، وفى لبنان الحرب مشتعلة بين الشمال الإسلامى ووسطه المسيحى وجنوبه الذى يستحوذ عليه حزب الله، هذا بخلاف دعوات لانفصال طرابلس عن بنغازى فى ليبيا وعودة الانفصال فى اليمن لتصبح هناك دولة يمنية وأخرى جنوبية وصراع علوى سنى فى سوريا.
دعوات الانفصال لم تقتصر على الدول فقط، بل أصبحت تتردد داخل البلد الواحد، ألا يكفى أن بعض أقباط المهجر طالبوا بتكوين دولة قبطية تكون الإسكندرية عاصمتها ودولة فى الجنوب للنوبيين وأخرى إسلامية نادى بها البعض فى العريش.. مثل هذه الدعوات الانفصالية صدرت من متطرفين ومتعصبين سواء كانوا مسلمين أو أقباطا أو حتى من أهل النوبة، وللأسف ساعد على ازدياد هذه الدعوات من يخططون لاجتياح منطقة الشرق الأوسط بأكملها ونهب ثرواتها، إنها «الفوضى الخلاقة» التى سبق أن نادى بها البعض وما الفيلم إلا وسيلة من الوسائل لتحقيق هذه الفوضى.
ما يتم الآن ويحدث فى العديد من الدول العربية ضد السفارة الأمريكية يسىء إلى الإسلام أكثر بكثير من الفيلم نفسه، فلا يجب علينا أن نوظف حدثا مثل هذا فى مهاجمة هذه السفارة أو تلك، خاصة إذا علمنا أن من دعا وأعد لهذا الفيلم ما هم إلا قلة ليس لها تأثير يذكر سواء فى محيط أقباط المهجر أو بين أقباط الداخل، ويجب أن نتعامل مع هؤلاء فى حدود حجمهم لا أكثر ولا أقل، حيث لا يجب أن نعمم ما فعلوه على أقباط الداخل الذين يعيشون فى وطنهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا، لأن إلقاء الاتهامات عليهم دون سند أو دليل فيه ظلم لهم فهم فى النهاية يعانون مثلنا ولهذا يجب الإنصات لهم والاستماع إلى مشاكلهم لنحلها فى إطار المجتمع الذى يعيشون فيه.
نصل إلى الدور الذى لابد أن يقوم به المجتمع الدولى ومنظماته والخاص بضرورة إصدار اتفاقية أو تشريع دولى يتم تطبيقه فى أنحاء المعمورة ينص على احترام الأديان والأنبياء ويجرم التعرض لهما حتى يتحقق السلم والأمان الاجتماعى بين شعوب العالم.
وأخيرا لابد من مراجعة حتمية لازدواجية القرار والفعل والكيل بمكيالين فى كل ما يخص وما له علاقة بحرية التعبير فيما يتعلق بالإساءة التى تصدر من بعض المنتمين لدول الغرب ضد الإسلام ورسوله، حيث يخرجون علينا ويقولون إن الأمر هنا يتعلق بحرية الفرد والتعبير ولا يحق لنا التعقيب حينها، ولكن عندما تخرج الإساءة من قبلنا نحن أهل الشرق ضد بعض ما يطرحونه علينا وضد حليفتهم إسرائيل مثلا، يتصدون لنا بكل قوة ويخرجون بنا بعيدا عن حرية الفرد والتعبير، علما بأن حرية التعبير عندنا ليست بأقل من حرية التعبير عندهم، ففى ظل هذا العالم المفتوح لابد أن تتساوى المجتمعات فيما بينها فى الحقوق والواجبات، ولن يفضل مجتمع على الآخر إلا بالعلم والعمل والإنتاج وتقدم الإنسان وحريته.