
طارق الشناوي
الأخـت تـريـــز تغضــب أحيـانـــا
جاءنى صوتها ليلة العيد، إنها جارتنا العزيزة التى هاجرت هى وزجها وأبناؤها إلى أمريكا.
بعد التهنئة بالعيد قالت لى: هل تابعت مسلسل «أخت تريز». أجبتها: بقدر المستطاع. فعاجلتنى: ليست هذه أخلاق الراهبات الراهبة متسامحة ولا تفرق فى التعامل بين مسلم ومسيحى، كما أننى لم أر راهبة يعلو صوتها مثل الأخت تريز. قلت لها: إن المؤلف بلال فضل حرص على التوازن ولا يوجد فعل سلبى يقدم عليه مسيحى إلا ويعقبه فعل سلبى لشخصية مسلمة، المسلسل كان هندسيا فى بنائه والكاتب يعلم بالضبط أنه يسير على صفيح ساخن، ولهذا آثر هذا الحياد الذى فى حقيقته يغتال عمق الدراما.
اخت تريز
ورغم ذلك فإن ما قالته جارتى العزيزة التى هاجرت هى والأسرة قبل 20 عاما إلى أمريكا لا أتصوره يعبر فقط عن رأيها، ولكن العديد من الأسر المسيحية فى مصر أو خارج حدود الوطن شعر بعضهم بغصة ما، فلم نتعود على رؤية شخصية مسيحية إلا وهى فقط تقف على هامش الحدث الدرامى وهى فى العادة شخصية سوية لا تعرف البغضاء، فما بالكم لو كانت راهبة.
كنت قد شاهدت الفيلم الرومانى «وراء التلال» للمخرج «كريستيان مونيجو» الحاصل على جائزة التمثيل فى مهرجان كان الأخير، أحداثه تجرى فى دير تمت فيه جريمة قتل وشارك فيها قس وعدد من الراهبات، والفيلم مأخوذ عن واقعة حقيقية. الجريمة من الممكن أن تحدث حتى فى بيوت الله.
لم نصل بعد إلى أن نتعامل مع مثل هذه القضايا بهدوء والسر هو الغياب الدائم للأقباط عن الدراما، فهو الدافع الحقيقى وراء تلك الحساسية. بالطبع تعامل بلال مع الراهبة باعتبارها إنسانا يرى على أرض الواقع ظلما يتعرض له الأقباط لأنهم أقباط، فتثور وتغضب رغم أنها راهبة.
قبل 11 عاما وفى شهر رمضان عندما عرض مسلسل «أوان الورد» وقدمت «سميحة أيوب» دور السيدة المسيحية «روز» التى تزوجت من مسلم.. المسلسل كتبه «وحيد حامد» وأخرجه «سمير سيف» ولم يتصور وقتها أحد أن غضبا عارما سوف يشتعل لأن الديانة المسيحية تعتبر أن هذا لا يعد زواجا بل فى حكم الزنى حتى لو احتفظت المرأة المسيحية بدينها.. صحيح أننا فى الواقع نرى عشرات من هذه الزيجات إلا أن رأس الكنيسة «البابا شنودة» كان له مقولة شهيرة فى عز الأزمة التى تحولت إلى مظاهرات فى الكاتدرائية بالعباسية عندما قال: هل هذه الهدية التى يقدمها لنا التليفزيون فى رمضان؟!
تتابعت الأزمات وصار التليفزيون المصرى يتحرج من عرض أى مسلسل به شخصية مسيحية مثل «بنت من شبرا» الذى تم رفعه من خريطة التليفزيون المصرى فى رمضان قبل 6 سنوات ولم يعد الأمر مقصورا فقط على الزواج ولكن أيضا الطلاق.. فى مسلسل «تاجر السعادة» عرض قبل ثلاث سنوات كتب له السيناريو «عاطف بشاى» عن قصة درامية للراحل «محسن زايد» تناول أيضا قضية الطلاق فى المسيحية وتصريح الزواج الثانى.. كانت الكنيسة قد رفضت منح المخرجة «شيرين عادل» التصريح بالتصوير بالكنيسة وهو المشهد الذى تطلب من المخرجة أن تبنى ديكوراً يتشابه مع الكنيسة وقال لى «عاطف بشاى» أنه تلقى بعد عرض هذا المشهد احتجاج من عدد من المسيحيين يقولون له: «لماذا لا تلتزم بتعاليم الكنيسة طالما أنهم يرفضون هذه المشاهد، فلماذا تكتبها»؟!
الحقيقة أننا يجب أن نعترف أن أغلب المصريين لا يعلمون الكثير عن الديانة المسيحية لأنها مهمشة دراميا بينما الدراما تقدم بإسهاب الطقوس الإسلامية، فصار المواطن سواء أكان مسلماً أو مسيحياً يعلم الكثير من القضايا الاجتماعية التى تتشابك مع الدين الإسلامى مثل الزواج والطلاق والميراث.. يوجد بالتأكيد قدر من التردد فى تناول الشخصيات المسيحية أو حتى فى دخول الكاميرا إلى الكنيسة ومن أكثر المخرجين جرأة «رأفت الميهى» عندما صور فى الكنيسة فيلمه الرائع «للحب قصة أخيرة» 1986 والذى اعتبره واحدا من أفضل ما قدمت السينما المصرية طوال تاريخها.. أثار الفيلم العديد من المشكلات والتساؤلات بسبب هذه اللقطات حول جدواها وتعمد «الميهى» تقديم التراتيل المسيحية وازدادت الأمور خطورة فى فيلم «بحب السيما» لأسامة فوزى» 2004 وتكرر الأمر مثلا مع فيلم «واحد صفر» 2009 بسبب الشخصية التى أدتها «إلهام شاهين» رغم أنها تريد الزواج من مسيحى. أقام بعض المحامين دعاوى قضائية قبل مشاهدة الفيلم وقالوا كيف تقيم علاقة مع شاب مسلم؟! الحساسية صارت تسيطر على الموقف لدرجة أن البعض يضيف ديانة أخرى من عنده لشخصية مسيحية ومع الأسف يتم مواجهة هذه القضايا بالابتعاد عنها!!
أرى أن جهاز الإعلام ومن خلال المسلسلات الدرامية قادر على أن يلعب دورا فى التصدى لأى مظاهر للطائفية وذلك بأن يرى الأقباط أنفسهم بعيدا عن حالة التهميش التى تؤدى إلى مزيد من الحساسية، وأقول لجارتى العزيزة إن «بلال» أراد بهذا المسلسل أن يواجه الطائفية وأيضا الحساسية!!