
طارق الشناوي
الحرية والإبداع فى مهرجان الشاشة الرابعة !
منذ الإعلان عن إقامة مهرجان القاهرة للأفلام المصورة بكاميرا الموبايل بدأت إدارة المهرجان فى تلقى مئات الأفلام وسوف تعلن النتائج فى النصف الثانى من شهر سبتمبر القادم، المهرجان تشرف عليه إسعاد يونس ويرأسه المنتج حسين القلا ويشارك فى عضوية لجنة التحكيم إياد نصار وبسمة والكاتبة مريم نعوم والمخرجة مريم أبو عوف ومدير التصوير سامح سليم .
«الموبايل» هو الشاشة الرابعة والتى تبدو الآن مثل جنين لم تتضح بعد ملامحه، إلا أن المؤكد أنه على وشك أن يحدث له مخاض الولادة وبعدها تبدأ رحلته مع الحياة .. فهو قادم لا محالة.. حيث أنه ومنذ عشر سنوات تقام مهرجانات لأفلام المحمول فى العالم !!
الشاشات الثلاث السابقة على الموبايل هى السينما، التليفزيون ، الكمبيوتر.. أحدثت فى حياة الناس انقلابا .. الإنسان قبل السينما التى بدأت عام 1895 ليس هو الإنسان بعدها.. التليفزيون والذى بدأت تجاربه الأولى أثناء الحرب العالمية الثانية ووقتها شعر السينمائيون بالتهديد أمام هذا الوليد القادم بقوة والذى يقدم أيضا الصورة الدرامية.. لكن السينما طورت من نفسها على مستوى التصوير ودار العرض والفكر ولهذا شاهدنا الشاشات العريضة والألوان والصوت المجسم وسينما الأبعاد الثلاثة وحاليا هناك تجارب متعددة لتقديم سينما البعد الرابع، حيث تلعب أيضا حاسة الشم دورها فإذا كانت اللقطة فى حديقة فأنت تشم داخل دار العرض رائحة الزهور ولو كانت اللقطة الثانية على البحر فتشم رائحة اليود ذلك لإقناع المشاهد بأن يغادر منزله ويترك الشاشة الثانية - التليفزيون - ليعود إلى الشاشة الأم التى تقدم له ما يعجز عنه التليفزيون.
الأقمار الصناعية لعبت دورها فى تعضيد قوة الشاشة الثانية وازداد سقف الحرية بالانتشار الفضائى.. لكن ظلت للسينما أيضا جاذبيتها.. الكمبيوتر الشاشة الثالثة طرحت نوعا من الفردية فى التلقى كما أنها بقدر ما تعطى للفضائيات من أخبار ومفارقات بقدر ما تأخذ منها أيضا.. إذا كانت السينما جماعية فى مشاهدتها ومع جمهور مختلف فإن التليفزيون بطبعه عائلى حدوده الأسرة ويأتى الكمبيوتر بتلك الذاتية الشخصية التى تحيل العالم إلى فرد واحد والفرد إلى عالم مترامى الأطراف والأجناس!!
شاشة المحمول أكثر ذاتية وخصوصية وهى شاشة قابلة للتطوير السريع مع التقدم التكنولوجى فى مجال المحمول والذى يراهن كل يوم على إضافة أكثر طموحا.. وتابعنا النكتة السياسية التى تنتقد الأوضاع بسخرية لاذعة ولم تمر مناسبة سياسية أو اجتماعية أو دينية إلا وأحالها المصريون والعرب إلى نكتة تعبر عن الانتقاد اللاذع للوضع السياسى المتردى !!
قبل ثورات الربيع العربى لعب المحمول دوره المحورى والعميق لتجد لقطات تعذيب للمواطنين فى مصر واستطاعت بالفعل كامير المحمول التمهيد للثورة، لأنها كانت كثيرا ما تفضح ما يجرى داخل أقسام الشرطة وعندما عجزت كاميرات التليفزيون على الدخول إلى الأراضى الليبية والسورية لعبت كاميرا المحمول دورها فى نقل الحدث!!
أشهر تسجيل موبايل على مستوى العالم هو لقطات شنق صدام حسين ولولا المحمول ما كان من الممكن أن تحتفظ الذاكرة البصرية بتلك اللقطات!!
كاميرا المحمول كما يبدو حتى الآن هى كاميرا إخبارية وليست إبداعية وهذا هو منطق وقانون أى إبداع جديد.. الإخوة لوميير «لويس وأوجست » مخترعا السينما لم يقدما فى البداية إبداعا ولكن مجرد صور متحركة لخروج العمال من المصنع أو انطلاق قطار من محطته.. التقنية الإبداعية ظهرت فيما بعد.
مهرجان أفلام المحمول عرفته مصر لأول مرة عام 2007 ولم تكن الأفلام المقدمة ترقى إلى ما يمكن أن نطلق عليه إبداعا وكنت مشاركا فى لجنة التحكيم حيث شاهدنا حوالى 100 فيلم من بين ألف فيلم تقدمت للمهرجان.. كانت هناك بالفعل محاولات لتقديم رؤية تحمل قدرا من التعبير الدرامى أقرب إلى الفيلم القصير هناك خطوط درامية يحتويها زمن الفيلم بمالا يتجاوز ثلاث دقائق ونصف أما فى مهرجان هذا العام فلقد تقرر السماح للأفلام بالمشاركة يبدأ زمنها من دقيقة وحتى 15 دقيقة!!
وبالطبع فإن المصور هو المخرج وهو أيضا الكاتب وهذه التجارب قابلة للتطوير الذاتى.. التجربة هى التى سوف تسمح بالتطور لتخلق من رحمها حالة أكثر نضجا.. إمكانيات المحمول فى التصوير لن تعرف مع الزمن حدودا.. خيال من يمسك بكاميرا المحمول سوف يتحرر من الأفكار المسبقة.. أفلام المحمول سوف تعثر على قواعدها الخاصة.. نعم المحمول فى كل يد بل إن بعض الأيادى تضع بدلا من المحمول الواحد اثنين وثلاثة إلا أن الإبداع الفنى لن يكفى فيه أن تمتلك محمولا أو اثنين المهم ما الذى تقدمه عبر شاشته الرابعة.. وأن يخضع ما تلتقطه عين الفنان لقاعدة إبداعية إنه سلاح تمتزج فيه قيمتا الحرية والإبداع.
صدام حسين