
طارق الشناوي
«أسماء».. فيلم مهرجانات صحيح؟
بلد شهادات تساوى بالضبط فيلم مهرجانات صحيح إنه الاعتراف الأدبى بقيمة العمل الفنى وهكذا وصل عدد الجوائز التى حصل عليها فيلم «أسماء» إلى 18 جائزة آخرها ثلاث جوائز منحتها للفيلم لجنة تحكيم من المهرجان الكاثوليكى المصرى أعرق مهرجان عربى، حيث إن عمره وصل إلى 60 عاماً.
العديد من الجوائز كانت من نصيب الفيلم منذ أن عرض فى شهر أكتوبر الماضى فى مهرجان «أبوظبى» ومن بعدها لا يخلو أى مهرجان من هذا الفيلم ولا تخلو جوائز أى مهرجان دائما من «أسماء» حيث تتوزع الجوائز بين «عمرو سلامة» كاتب ومخرج الفيلم و«هند صبرى» بطلة الفيلم «وماجد الكدوانى» الذى شاركها البطولة.
سألت منتج الفيلم السينارست «محمد حفظى» هل صحيح أن مثل هذه الأفلام التى تحظى بكل هذه الجوائز فى النهاية تؤدى إلى خسارة المنتج؟
قال لى الفيلم لم يحقق إيرادات مرتفعة عند عرضه تجاريا فى مصر، هذه الحقيقة ولكن على المقابل فإن هذه الجوائز تزيد من سعر بيعه للفضائيات وأستطيع أن أقول لك إن الفيلم وإذا لم يحقق لى مكسبا ملموسا إلا أنه على المقابل لم يحقق خسارة، ومكاسبه الأدبية وترديد اسمه فى العديد من المهرجانات أعتبرها تعويضا مرضيا جدا بالنسبة لى وهى لا تقدر بثمن وتدفعنى لإنتاج المزيد من هذه الأفلام.
الفيلم يحمل ولا شك مغامرة إبداعية وهند صبرى قدمت دورا لا ينسى برغم أنه بالتأكيد يعوزه الحس التجارى.. هل ضبطت نفسك غير قادر على النظر إلى صورة منشورة فى الجريدة تشير إلى وجه تنضح عليه مثلا البثور؟! حزنت وأشفقت نعم ولكنك أيضا على الأقل لا شعوريا كنت تخشى العدوى أن تنتقل إليك برغم أننا نتعامل مع صورة.. أتصور أن تلك هى المعضلة التى واجهت المخرج «عمرو سلامة» فى فيلم «أسماء» لأنه يتناول حياة امرأة فى منتصف العقد الخامس من عمرها مصابة بالإيدز، أى أنه من البداية صنع مساحة من التباعد بين الشاشة والجمهور.. ما هى معاناة مرض الإيدز فى العالم؟ إنها فى تلك النظرة المحملة بالإشفاق والتى ترفع راية للطرفين الناس والمريض مكتوبا عليها ممنوع الاقتراب لا يزال الرعب يسيطر على الجميع عندما نضطر للتعامل مع مريض الإيدز وهو أيضا يتعامل معنا كمنبوذ وربما لهذا السبب شاهدنا فى اللقطة الأخيرة من الفيلم «هند صبرى» وهى تنزع القفاز عن يديها وتسلم على مقدم البرامج التليفزيونية الذى أدى دوره «ماجد الكدوانى» إنها تفصيلة دقيقة ولكنها تعنى أن الطرفين كل منهما عبر إلى الضفة الأخرى للثانى.
المعاناة فى وجهها الأقسى لمريض الإيدز تستطيع أن تلمحها فى المجتمع الشرقى من خلال تلك النظرة التى تحمل اتهاما أخلاقيا لكل من يحمل الفيروس.. الفيلم يتوقف أمام تلك القضية وهى أن الناس يسيطر عليها فى العادة اتهام بالانحلال الخلقى قبل أن تحدد موقفها من المريض هل تمنحه نظرة شفقة أم ازدراء هم يريدون أولا شهادة البراءة.. لو رأيت إنسانا تلتهمه النيران المفروض أنك لا تسأل قبل أن تطفئها عن أسباب اشتعالها ولكنك أولا تطفئها إلا أنك مع مريض الإيدز تترك النيران تلتهمه ونحن ننتظر أولا حكما أخلاقيا!!
ورغم ذلك فإن الفيلم بقدر ما يحمل من مرارة يزرع أملا وهو ما عبر عنه المخرج «عمرو سلامة» بكل المفردات الفنية فى التصوير والديكور والموسيقى ويبقى أن المخرج تقدم كثيرا فى فيلمه الروائى الثانى بعد فيلمه الأول «زى النهاردة»..وستمكث كثيرا فى الذاكرة «هند صبرى» وهى تتقمص دورها بإبداع وألق فى نبرة الصوت وبالإيماءة والحركة والنظرة ولا يزال ماجد الكدوانى قادرا على إدهاشى فى طريقة التقاطه لتفاصيل الشخصية التى يؤديها.
الفيلم فى النهاية كما قال لى منتجه «حفظى» ومخرجه «سلامة» منح ولا يزال قيمة كبيرة لكل من شارك فيه إنها تلك الحفاوة التى يلقاها فى كل المهرجانات.
ربما لم تعد مصر بلد شهادات كما أن المهرجانات وحدها لا تحقق حماية للفيلم إلا أن المؤكد أن «أسماء» بقدر ما يحظى بحماية توفرها له الجوائز التى حصدها فإنه يتوق إلى حماية جماهيرية ربما يحققها له العرض القادم فى الفضائيات!!.