
أسامة سلامة
القضاء على «القضاء»!
أخشى أن يتم استغلال الصدام بين السلطة القضائية والسلطة التشريعية فى استقطاب القضاة فى انتخابات الرئاسة، وأرجو أن يبتعد المرشحان عن التعليق على هذا الخلاف.. ولا يجوز لأى منهما أن يدلى برأيه مادام هناك إشراف قضائى على الانتخابات. إننى لا أشك مطلقا فى نزاهة القضاة، ولكننى أريد أن يبتعدوا تماما عن أى شائبة يمكن أن تلحق بالثوب الناصع البياض. وإقحام القضاء فى معارك سياسية هو أولى خطوات القضاء على أهل القضاء.
بيان المستشار الزند الذى دافع فيه عن القضاة وهاجم مجلس الشعب والإخوان المسلمين بضراوة أعقبته تصريحات خطيرة لكلا المرشحين للرئاسة.. الفريق أحمد شفيق أكد «وقوفه الكامل مع القضاة وهم محقون فيما ذهبوا إليه.. إلا أنه فى سبيل حماية مصر من التفكيك والاضطراب والفوضى التى يريدها لها العابثون.. فإننا نرجو ألا يتنازلوا عن حقهم الدستورى فى الإشراف على الانتخابات».
كلمات شفيق تعنى أنه يقف مع القضاة، والأخيرون سيشرفون على الانتخابات.. وهو بذلك يعرضهم للاتهامات بأنهم يردون الجميل له.. وخاصة أنه يبدو من الكلام أن الاثنين شفيق ونادى القضاة على خلاف حاد مع الإخوان المسلمين.
حقيقة .. أجزم بأن أغلب القضاة أنقياء.. ولكن لا يجب أن يوضعوا فى موقف المشكوك فيه.
محمد مرسى المرشح الثانى لم يصدر تصريحات بشخصه، ولكن حزب الحرية والعدالة ممثلا فى الكتاتنى رئيس مجلس الشعب وعبر صفحة الحزب على الفيس بوك قال: «إن تصريحات الزند تجاوز فى حق البرلمان صاحب السلطة الأصيلة فى سن التشريعات، وطالب المستشار الغريانى بتوضيح موقف المجلس الأعلى للقضاء من تصريحات المستشار الزند احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات».
هذا الكلام محاولة لشق صف القضاة ما بين مؤيد للزند فى هجومه المباشر على الإخوان وما بين معارض له.. وهو بالفعل ما ظهر عقب المؤتمر، حيث قام عدد من القضاة بالرد على الزند حتى إن المستشار فكرى خروب وحسب موقع الإخوان المسلمين قال إنه بصدد تقديم شكوى للمجلس الأعلى للقضاء ضد الزند.. لأنه تعمد الإساءة للسلطة التشريعية، وارتكب مجموعة من الجرائم التى يعاقب عليها القانون مثل تهييج الرأى العام وإثارة الفتنة، كما أن المستشار أشرف زهران قال إن عددا من القضاة بصدد تجميع توقيعات لسحب الثقة من الزند.. أما المستشار هشام اللبان فانتقد إدخال القضاة فى معارك سياسية.. وكل هذه التصريحات أبرزها موقع الإخوان المسلمين.
المشهد خطير وحالة الاستقطاب واضحة، ومحاولة كسب تعاطف جناح من القضاة من جانب المرشحين للرئاسة سافرة، وستؤدى بدورها إلى الانقسام داخل الهيئة القضائية.. حقيقة لا يمكن لأحد أن يقبل بالتجاوز ضد القضاء كما حدث من بعض أعضاء مجلس الشعب، ولكن لا يجب أن ننسى أن التعليق على الحكم فى قضية الرئيس السابق جاء أيضا من قبل عدد من القضاة، وفى المقابل فإنه لا يجوز لرئيس نادى القضاة أن يقول: «لو كنا نعلم أن الانتخابات ستأتى بهذا المجلس ما كنا أشرفنا عليها».
وهو ما يعنى أنه يهين اختيارات الشعب المصرى ويفرض وصاية عليه، الزند أيضا قام بالتعدى على السلطة التشريعية عندما قال إنه لن يطبق قانون السلطة القضائية إذا صدر من هذا البرلمان، رغم أن اللذين قدما مشروع القانون هما المستشار الغريانى رئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل.
أعرف أن المستشار الزند يريد الدفاع عن كرامة القضاة إزاء هجوم أعضاء من مجلس الشعب على حكم قضية مبارك، لكنه فى ذروة حماسه فجر قنبلة ستكون لها تداعيات كبيرة.
أتمنى أن يقوم العقلاء والحكماء بوقف الحرب الإعلامية بين السلطتين، وأن يتم عقد لقاء بين ممثلين لهما، قد يخطئ قاضٍ ولكن ثقتنا لا تهتز فى قضائنا.
وقد يخطئ نائب برلمانى، ولكن لا يجوز أن نهدر حق الشعب فى اختيار من يريده.
والأهم أننا فى مرحلة خطيرة لاتتحمل صداما عنيفا بين السلطات.