
محمد جمال الدين
ديمقراطية ع الكيف!
عندما طالب الشعب بالأخذ بالديمقراطية كمنهج وطريق تسير عليه البلاد عقب ثورة 52 يناير، قلنا «خير وبركة»، فنحن بالفعل أحوج ما نكون للديمقراطية التى غابت عنا كثيرا وحل محلها نظام استبدادى يعتمد على نظام الحزب الواحد الذى فرض علينا، ما يضمن له استمراره، معتمدا فى ذلك على قوة أمنية غاشمة لا تعرف ولا تعى سوى مصلحتها وبالطبع مصلحة الحاكم وأمنه الذى يضم أركان نظامه.
لكن هذه الديمقراطية التى طالب بها الشعب واعتمدها لم تنل ثقة بعض القوى السياسية التى ما كان يمكن لها أن تظهر على السطح السياسى أو يسمع لها صوت لمجرد أن هذه الديمقراطية أتت بمن ليسوا على هواها، وحجتهم فى ذلك أن الثورة قامت للقضاء على المنتمين للنظام السابق، فهددت وتوعدت ورفضت إرادة الشعب واختياره التى كثيرا ما تغنوا بها عندما كانت فى صفهم، وعندما رفضهم قطاع كبير من نفس هذا الشعب بعد أن كشف حقيقتهم انقلبوا عليه وعلى الديمقراطية التى لم يعترفوا بها إلا عندما كانت تصب فى مصلحتهم حين احتكموا إلى الصندوق فى بادئ الأمر.
وعندما خالف الصندوق ما يريدونه رفضوا نتيجته، وهذا تحديدا ما جعل الكثيرين يحتجون على هذا المنطق الذى يحاولون فرضه على أبناء هذا الوطن، فنحن نعلنها صريحة لا نريد منطقكم هذا، ولا حتى ديمقراطيتكم التى لا ترونها إلا عندما تتحقق من خلالها مصالحكم، ولتذهب هذه الديمقراطية إلى الجحيم لأن مصر هى الباقية والأبقى منكم جميعا.
ومن ثم فسياسة الإقصاء التى تم اتباعها من قبل النظام السابق على جميع القوى السياسية لن يكون لها وجود عقب قيام الثورة، ولن يسمح بها أى مصرى، فهذا مصرى وذاك مصرى وكلاهما ولد من رحم هذا البلد الذى رفض النظام السلطوى وسعى بنفسه إلى النظام الديمقراطى الذى يجب العمل به فى إطار حدود معلنة ترتكز على احترام ما يأتى به الصندوق، وإلا سيكون البديل هو الفوضى التى ستذهب بنا وببلادنا إلى أتون من الجحيم لن ينجو منه أحد، لأن عدم الرضا هنا قد يترجم إلى النزول للشارع واللعب على مشاعر المتواجدين فيه، وبالمناسبة هذا حدث بالفعل من قبل البعض، هذا البعض تزعمه بعض المرشحين لمقعد الرئاسة الذين لم يحالفهم الحظ.
وحتى لا نصل إلى سياسة الإقصاء التى قد تؤدى إلى عدم الرضا والنزول إلى الشارع وخلق حالة من عدم الاستقرار، لابد من أن ينصاع الجميع لحكم الصندوق الذى ارتضيناه من البداية، فهو الضمانة والحل الوحيد المتبقى لنا دون فرض رأى أو وصاية من أحد، وحتى يختار الشعب من يمثله بأريحية تامة، وقتها على الجميع أن يرضخ لاختيار الشعب، لأنه بغير ذلك ستستمر حالة الانفلات الأمنى والأخلاقى التى تعانى منها مصر، والتى من الممكن أن تذهب بأغلب مؤسسات البلد إلى طريق اللا عودة.. وحينها ستعانى مصر من الفراغ المؤسسى الذى سبق أن عانينا منه عقب الثورة مباشرة، ونظرة سريعة إلى مؤسسة الشرطة التى لم تستطع العودة إلى سابق عهدها والوفاء بالتزاماتها فى حفظ الأمن حتى الآن لخير دليل على خطورة وضع البلاد فى حالة عدم الالتزام بما سيفرزه لنا صندوق الانتخابات باعتباره المعبر الحقيقى عن إرادة الشعب، شريطة أن تمر مرحلة الإعادة بنفس نزاهة وشفافية الجولة الأولى.
أعرف كما يعرف غيرى أن جولة الإعادة أفرزت لنا من لا يرضى عنهما قطاع عريض من الشعب، خاصة أن حكم الصندوق كشف حقيقة وضع بعض القوى السياسية التى كثيرا ما تباهت بأغلبيتها وبقوة تواجدها فى الشارع، إلا أن حالة عدم الرضا التى انتابت البعض لا يجب أن تكون بالخروج على القانون والتهديد بالثورة والشارع، فهو ما يجب أن نرفضه، وكفانا وصاية على الشعب فهو يعرف من يريد، فمن وافق على أخذ كيلو لحمة أو زجاجة زيت يعرف تمام المعرفة المرشح الذى سيمنحه صوته، ومن وافق على التمسح بنظام ما قبل الثورة فى محاولة منه لاستعادة نفوذه وسيطرته يعرف أيضا أن الماضى لن يعود، فجميعنا ينظر إلى المستقبل ولن نسمح لأى فصيل أن يسرق منا ثورتنا، وهذا ما ظهر واتضحت معالمه فى التيار الذى مثله المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحى والمتمثل فى عدد الأصوات التى نالها، والتى كان من الممكن أن تزيد لو كان هذا التيار أكثر تنظيما وأكثر قدرة على الحشد، التى توافرت لغيرهم.
عموما على هذا التيار أن يطور نفسه ويحافظ على وجوده وتأثيره فى الشارع حتى يمكن له المنافسة القوية فى الانتخابات الرئاسية القادمة، رغم أن هناك بعض الملاحظات التى تم توجيهها لهذا التيار عقب ظهور نتائج المرحلة الأولى، يأتى فى مقدمتها فكرة مقاطعة انتخابات جولة الإعادة التى نادى بها بعضهم، ومن الممكن أن نتفهم دوافعهم التى جعلتهم يتخذون هذا الموقف، فربما يرفضون دولة المرشد التى يمثلها مرسى وكذلك ربما يرفضون حكم الفلول الذى يمثله شفيق، فكلاهما بالنسبة لهم مر ولا يستطيعون احتماله، ولكن علينا أن ننبههم وننبه باقى من يسيرون فى هذا الاتجاه بأن هذه المقاطعة قد تأتى بواحد ممن يرفضونه ونسلم لهم مقاليد البلاد، ووقتها لا يلومون إلا أنفسهم وعليهم أن يتحملوا نتيجة هذه المقاطعة، خاصة أنهم لو كانوا اتفقوا فيما بينهم ما وصلوا إلى ما هم فيه.
وأخيرا وسواء فاز مرسى أو شفيق، أعتقد أن الفارق بينهما لن يكون كبيرا لإدراك كل منهما أن الشعب يراقبهما ويحسب عليهما كل قرار يصدرانه أو تصرف يسلكانه وبالتالى سيعملان لصالح هذا الشعب الذى لن يسمح لهما بالعمل ضد مصلحته وإرادته وثورته التى خلصتنا من الديكتاتورية وسيطرة الفصيل الواحد الذى لا يمكن أن يعود مرة أخرى.
د. محمد مرسي
الفريق أحمد شفيق