
طارق الشناوي
الأوسكار هل ظلم السينما العربية؟!
مثل أغلب العرب كنت أتمنى أن يحصل فيلم «تيمبتكو» الموريتانى على جائزة أفضل فيلم أجنبى لتصبح هذه هى المرة الأولى التى تنال السينما العربية تلك المكانة، صحيح أننا وصلنا أكثر من مرة للترشح فى القائمة القصيرة «خمسة أفلام» تقترب من الفوز مثل المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد مرتين «الجنة الآن» و«عُمر»، كما أن جيهان نجيم المصرية صعدت بنا فى العام الماضى بفيلم «الميدان» للقائمة القصيرة لأفضل فيلم تسجيلى طويل، ولكننا لم نحصل كسينما عربية على الأوسكار.
كان الفيلم الموريتانى الفرنسى المشترك قد اقترب من تحقيق تلك الأمنية بعد أن حصل على جائزة سيزار الفرنسية قبل إعلان الأوسكار الأمريكى بـ 48 ساعة فقط، لكن عند إعلان النتائج لأفضل فيلم أجنبى كانت الجائزة من نصيب فيلم «أيدا» البولندى.
يعزف الفيلم الموريتانى على «تيمة» درامية كلنا نعايشها وهى أن التطرف والإرهاب الدينى لا يمكن أن يعيش مع الحياة، إنه يتنفس فقط مع كل ضربة تتوجه لاغتيال الحياة.
لمحة شاعرية أجدها فى أفلام عبدالرحمن سيساكو على ندرتها مثل «فى انتظار السعادة» و«باماكو» وأخيرا «تيمبكتو» لقد أدرك المخرج أن العنف والدموية تستطيع أن تقضى عليهما بالموسيقى والغناء أو حتى بممارسة لعبة كرة القدم، هم يرفعون شعار التحريم لكل شىء وفى لمحة إبداعية خاصة قدم المخرج هذا المشهد الذى تمنيت أن أصفق له عندما منعت الشرطة الإسلامية فى «تيمبكتو» وهى أحد القطاعات فى تلك الدولة من ممارسة كرة القدم بحجة أن الكرة حرام شرعا فقرر الشباب فى تلك القرية الفقيرة أن يواجهوا هذا العنف بالخيال وكأنهم يلعبون الكرة ووضعوا قانونا جديدا وهو لعب الكرة بدون كرة، وهكذا انتصر الفن على أعداء الحياة الذين اعتقدوا أنهم قادرون على اغتيالها.
دائما يأتى الخيال كسلاح باتر ليحافظ الإنسان من خلاله على هويته، وهنا يأتى لعب الكرة وهو يحمل هذا البعد الرمزى وهو ما عبر عنه سيساكو بكل أستاذية وحرفية وخيال جامح، حيث إن المشاهد صار طرفا إيجابيا فى تلك الحالة وهو يشاهد مباراة كرم القدم بدون أن يرى فى حقيقة الأمر كرة قدم، وانتهى المشهد بأن الشرطة الإسلامية تأتى للتفتيش فتجدهم وهم يمارسون تدريبات لياقة بدنية ولا تستطيع أن تمارس عليهم العقاب الدينى الذى فرضوه الذى يعنى طبقا لشريعتهم 20 جلدة إذا تم الضبط متلبسا بممارسة تلك هذه اللعبة.
يبدأ المخرج أحداث الفيلم بلقطة لغزال جميل يجرى بكل رشاقة فى الصحراء، وينتهى أيضا إليها كأنه أمل قادم بالتخلص من هؤلاء الدمويين الذين يتدثرون عنوة بالدين، الشرطة تعتقد أن الإنسان تتم السيطرة عليه عندما يصبح بلا روح، ولهذا يحرمون الغناء والموسيقى ويطاردون من يمارس هذه الفنون حتى يصل بهم الأمر إلى القتل رجما بالحجارة، وتطالب النساء ليس فقط بتغطية الرأس، ولكن قفازات ينبغى أن تضعها المرأة على يديها، وفى مشهد تحدٍ تُقدم المرأة يديها إلى الشرطى تقول له اقطعها لأننى استخدمها فى بيع السمك، لا ينسى المخرج أن يضع أيضا فى المعادلة هؤلاء الذين يسخرون من تلك الممارسات ويضعون يافطة مكتوبا عليها «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». العائلة الرئيسية فى الفيلم تتكون من زوجة وزوج وطفلة والزوج لديه ثمانى بقرات يتكسب منها، الحدث المباشر الذى نتابعه هو عندما يقتل أحد الصيادين بقرة لأنها دخلت بدون أن تقصد إلى شباكه التى زرعها على النهر، وينتهى الأمر بالقبض على صاحب البقرة والذى يمهد الفيلم بقتله لأنه لا يستطيع سداد الدية 40 بقرة على شرط أن يقبل أهل القتيل ذلك، يحرص المخرج على أن يقدم بين الحين والآخر الوجه الآخر للإسلام من خلال رجل الدين يحاول تصحيح الصورة، لجأ المخرج بين الحين والآخر إلى استخدام لغة فصحى مبسطة، حيث إن فى موريتانيا العديد من اللغات وبينها العربية، ولكنه لجأ للفصحى المبسطة وإن كان أداء الممثلين بالعربية كان يبدو به قدر لا ينكر من الافتعال.
الموسيقى الأفريقية تدخل فى لحظات مليئة بالشجن لتشع إحساسا روحيا بل صوفيا بديعا، المخرج قدم صرخة ضد هؤلاء المتطرفين الذين يمارسون القمع باسم الدين بينما قلوبهم مملوءة بكل مساحات القسوة! ∎