
طارق الشناوي
إهانة النضال الفلسطينى فى «برلين»
لكل مقام مقال ولهذا فإن التعرض للقضايا المصيرية يفرض على من يجرؤ أن يدرك حجم المسئولية، وإلا فإن الصمت أفضل، فى مهرجان برلين لم أستشعر أن المخرج الفلسطينى مياد اليان والذى يشارك بفيلمه الروائى الطويل الأول فى قسم بانوراما، «حب وسرقة ومشاكل أخرى» يحاول أن يدمج كل ذلك فى خلطة واحدة ويمهد جريمة القتل فى محاولة بائسة بألا تتعاطف كمشاهد مع المقتول وهو الزوج الذى تخونه زوجته مع بطل الفيلم، وعليك أن تُدرك أن ثمرة الحب طفلة نحن نعرف أنها ابنة العشيق بينما نرى الزوج المخدوع دائم الحنو عليها معتقدا أنها ابنته الوحيدة والأثيرة، المخرج لم ينس أن يمنح البطل بين الحين والآخر لمسات إنسانية فى لقاءاته العابرة مع فلسطينيين مثل تلك السيدة العجوز الضريرة التى يلتقيها أثناء هروبه من المطاردات الإسرائيلية الفلسطينية معا، فهو مطلوب من الجانبين.
هل من الممكن أن يصنع الإنسان أثناء معايشة العمل الفنى تلك المسافة الوهمية بين منهجين مختلفين؟ أشك كثيرا فى إمكانية حدوث ذلك على المستوى النفسى، ورغم ذلك فإننا يجب أن نعترف أن السينما الفلسطينية هى صاحبة الحضور الأكبر فى أغلب المهرجانات، وهى بطبعها متعددة التوجه والمشارب، نعم كثيرا ما وجدت المخرج الفلسطينى سواء فى الشتات أو رام الله أو غزة وهو يشارك بفيلمه فى مهرجان عالمى مثل كان أو فينسيا أو برلين بينما تغيب أغلب الدول العربية.
لننتقل إلى فيلم «الحب والسرقة ومشاكل أخرى»، رأينا السرقة والمشاكل الأخرى لكننا لم نلمح أن هناك حبا، الفيلم يقدم مزيجًا من الملامح السلبية للشخصية الفلسطينية، ولكنه يحرص على تخفيف الوطأة النفسية على المتلقى بمنحها بين الحين والآخر مذاقا ساخرا، تشعر أن الهم الفلسطينى حاضر وبقوة وفى مقدمة الكادر، ولكن أيضا الشخصية الرئيسية تحمل الكثير من السلبيات، إنه صراع من أجل البقاء، تفاصيل الحياة تفرض نفسها بقوة فى تلك المعادلة، المخرج مياد اليان ذهب إلى حالة بعيدة تماما عما ألفناه وتعودنا عليه فى تناول النضال الفلسطينى، ولكن لا صدقت المناضل ولا الخيانة ولا القتل، كل شىء يحاول أن يبحث له عن نكتة تسنده أو «قفشة» لتغيير الإحساس النفسى.
ما الذى من الممكن أن تلحظه فى فيلم «حب وسرقة»؟ النضال ليس نقيا تماما شخصية البطل الشفاف بلا شوائب إنسانية لم تعد أبدا حاضرة فى «الكادر»، لأن الخيانة والغيرة يشغلان الجانب الأكبر من الصورة، أما التضحية والإيثار ودفع ثمن تحرر الوطن فلم تعد سوى صفات أسطورية، المخرج يبدو غير متعاطف مع الشخصية الرئيسية التى رأيناها فى حالة ضعف إنسانى ونفسى، الفيلم يتابع سارق السيارة الذى نكتشف أن بها الأسير الإسرائيلى يصبح هو الصفقة، كل من الجهازين الأمنيين الفلسطينى والإسرائيلى لديهما مصلحة بالطبع فى العثور عليه، عندما يكتشف البطل ذلك يبدأ فى البكاء الهيستيرى، القضية مزدوجة فى تناقضها هناك أيضا الفلسطينى المناضل، ولكنه يبدو كزعيم عصابة من هؤلاء الذين كنا نشاهدهم فى سينما الخمسينيات المصرية ولديه صبيانه فيتولون هم البحث عن سارق العربة التى تحمل الجندى الإسرائيلى، والكل يترقب ويتابع هذا الحدث الجلل، وبينما بطل الفيلم يسعى للسفر إلى إيطاليا لاعبا للكرة، ويستغله أيضا فلسطينى آخر، الكل مدانون حتى أبيه نكتشف أنه لص سيارات سابق. ثمن الصفقة بضعة آلاف من الدولارات يحتاجها ويقف حائرا بين صفقتين واحدة يقدمها له الإسرائيليون والأخرى الفلسطينيون، ويختار الجانب الفلسطينى، الفيلم كما يبدو يقتات على السينما المصرية القديمة ولا يدرك أبدا فروق التوقيت ولا يعرف أيضا أن لكل مقام مقالاً ولكل قضية فيلماً ولا يجوز أن يصبح النضال الفلسطينى عُرضه لمن يريد الإهانة خاصة عندما نكتشف أنه أيضا فلسطينى!!∎