الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لماذ غضب الريحانى من أم كلثوم؟

لماذ غضب الريحانى من أم كلثوم؟


من الممكن أن أتفهم مثلا سر عدم لقاء أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب فى فيلم غنائى، حيث يصبح الموقف هنا له علاقة باشتراط ما يطلبه كلا النجمين، وهو ما حدث بينهما عندما تحمس رائد الاقتصاد المصرى طلعت حرب فى منتصف الثلاثينيات، وقرر أن يجمع النجمين معا فطلبت ثومة ألا ينفرد عبدالوهاب بتلحين كل الأغانى التى تؤديها، وأن يترك المجال لكل من الشيخ زكريا ومحمد القصبجى ورياض السنباطى، وهو ما اعترض عليه عبدالوهاب ثم تعطلت لغة الكلام بينهما، ولم يتصالحا فنيا إلا بعدها بعد 30 عاما مع أغنية  «أنت عمرى».
ولكن ألم تسأل مثلا: لماذا لم نر نجيب الريحانى وأم كلثوم معا لا أعنى اللقاء الفنى فقط، ولكن الشخصى، فلماذا لم نسمع أن العملاقين ضمتهما مثلا سهرة.
السر هو الصورة الذهنية التى تسبق الفنان فى الحياة، وعلى هذا يتصور البعض أن الدموع التى لا تُنسى تلك التى رأيناها تنهمر من نجوم التراجيديا أمثال يوسف وهبى وأمينة رزق وحسين رياض وعبدالوارث عسر وغيرهم ولكنها فى الحقيقة أكثر نجم لم ننس دموعه هى تلك التى رأيناها على الشاشة أو عرفناها بعيدا عن الشاشة لنجوم الكوميديا هؤلاء الذين يملأون الدُنيا ضحكا فجأة تفيض عيونهم بالبكاء.
هل يستطيع أحد أن ينسى مثلا نجيب الريحانى فى فيلم «غزل البنات» وهو يبكى عندما يستمع إلى محمد عبد الوهاب وهو يغنى «ضحيت هنايا فداه وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فانى»، دموع لا تُنسى، نجم الكوميديا حتى بعيدا عن الكاميرا يتوقع منه البعض أن يكون حاضر البديهة يروى للناس آخر نكتة مهما كان يعيش فى مأساة.
مثلا إسماعيل يسن عندما مات لم يكن لديه فى البنك أى رصيد بل كانت مصلحة الضرائب تطارده وتطالبه بآلاف الجنيهات بينما هو «يامولاى كما خلقتنى»، ورغم ذلك كانت الناس تنتظر منه لو التقوه صُدفة فى الشارع أن يضحكهم، عدد كبير من نجوم الكوميديا كانت نهاياتهم حزينة مثل «عبدالفتاح القصرى» صاحب الجملة الشهيرة «كلمتى مش حتنزل الارض ثم تنزل الأرض» أصبحت هذه هى أشهر- إيفيه- يتبادله المصريين وحتى الآن بينما رحل القصرى وهو لا يملك حتى ثمن الإنفاق على دوائه، عبدالسلام النابلسى وحسن فايق وزينات صدقى ويونس شلبى وغيرهم عندما رحلوا كانت الأضواء والنجومية قد غادرتهم ولم يعد لديهم سوى الحسرة والبكاء على زمن كانوا هم فيه عنوان الضحك.
لا يوجد كوميديان 24 ساعة، بل هم الأقرب على عكس ما يبدو للبكاء، كان مثلا فؤاد المهندس كثير البكاء فى أى موقف ودمعته قريبة، عبد المنعم مدبولى عندما يؤدى دورًا تراجيديا أو يغنى مثل سائق الحنطور فى أغنية «طيب ياصبر طيب» فى فيلم «مولد يادُنيا» إخراج حسين كمال.. «ليه يا يازمان العبر سوق الحلاوة جبر واحنا اللى كانوا الحبايب بيسافروا بينا القمر بقينا أنتيكة دوقى يا مزيكة».
وفيما يبدو أن أم كلثوم اعتقدت أن الريحانى كوميديان 24 ساعة فى اليوم، ولهذا عندما رأته لأول مرة وجهاً لوجه فى نهاية الأربعينيات بالإسكندرية فى أحد الفنادق لم تستطع أن توقف ضحكاتها فما كان من «نجيب الريحانى» سوى أن انصرف غاضباً، ولم يتم التعارف بين قمتى الغناء والكوميديا فى مصر؟!
استمعت إلى «أم كلثوم» وهى تروى هذه الحكاية فى مذكراتها التى سجلها لها الإذاعى الراحل «وجدى الحكيم»، أعادت الإذاعة تقديمها فى ذكرى «أم كلثوم» وتلك الواقعة تحيلنا مباشرة إلى الفارق بين الفنان والإنسان، وهما فى العادة ليسا وجهين لعملة واحدة ملامح الفنان التى تصدرها لنا الشاشة تخلق عنه صورة ذهنية تبتعد كثيرا عن حقيقة هذا الفنان.. لو سألت كل نجوم الكوميديا لاكتشفت أن ما يؤرقهم هو أن الناس بمجرد أن تشاهدهم تعتقد أنهم على أهبة الاستعداد لكى يرووا لهم نكتة وكأنهم مخلوقون فقط للإضحاك.
عندما أتأمل غضب «نجيب الريحانى» من «أم كلثوم» وهى تضحك وهو يعلم بالطبع أنها لم تقصد إهانته.. أحيل ذلك إلى ما يعرف بالارتباط الشرطى كما يطلق عليه علماء النفس رأت «أم كلثوم» نجيب الريحانى انفجرت ضاحكة فانفجر هو غاضباً.. إنه الفارق بين الإنسان والفنان!
هل كان الزمان سيجود لنا بفيلم آخر رائع يجمع بين ثومة والريحانى مثل «غزل البنات» الذى جمع بين الريحانى وليلى مراد، وتوقف المشروع بسبب تلك الضحكة التى أطلقتها ثومة فغضب الريحانى!∎