الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«قوم أقف وأنت بتكتبلى»!!

«قوم أقف وأنت بتكتبلى»!!


للكاتب أرنست هيمنجواى مقولة أو نصيحة لتلاميذه وهى أن يكتبوا وهم واقفون حتى يشعروا بالمعاناة ولا يبددوا طاقتهم فى الإطناب الذى من الممكن أن يسيطر عليهم فى حالة الجلوس إلى الكرسى، هل يسمعنا أحد من صُناع الدراما؟
من الآن بدأوا فى  الدخول إلى  معركة أنها المساحة البيضاء، أقصد كيف تملأ الصفحات  بأكبر عدد من المشاهد وجُمل الحوار، القنوات العربية  الفضائية وصل عددها إلى ألف عند كتابة هذه الكلمة ومن الممكن فى ظل تلك الحالة من التكاثر الفضائى غير المسبوق أن تكتشف عند النشر أن الرقم أضيف إليه 100 فضائية جديدة، السمة العامة هى أن المسلسلات الدرامية والتى صارت هى الطبق المفضل لدى الفضائيات تحتاج إلى إعادة «مونتاج» لاختصار أحداثها وضبط إيقاعها فهل يدرك صُناع المسلسلات ذلك، هل هناك من يستخدم أثناء تنفيذ المسلسل «الأستيكة».
أعلم أن الأستيكة فى طريقها للانقراض وسنعثر عليها مع مرور الزمن فقط فى المتاحف، هذا الجيل يستخدم بديلا عصريا وهو زر «الديليت» على الكمبيوتر، ولكنى أطالب بحق اللجوء إليها.
المفتاح السحرى للإبداع وفى كل المجالات لا يعنى فى عمقه سوى الإيجاز والتكثيف.
الكاتب الروائى الروسى ليو تولستوى يقول: «إذا استطعت ألا تكتب فلا تكتب»، وللكاتب الروائى المصرى إبراهيم أصلان مقولة شهيرة «أنا أكتب بالأستيكة وليس بالقلم»، ولهذا لا تجد فى أرشيف أصلان العديد من الأعمال بقدر ما تلمح فى هذا القليل ألقًا خاصًا وروحًا استثنائية تغلف إبداعاته وكأنها لمحات ساحرة تسكن مباشرة قلبك، الأديب  يحيى حقى كان ينصح تلاميذه بشىء واحد وهو حذف ليس فقط كل كلمة زائدة، ولكن أى حرف لا يضيف جديدا، فكان يقول إذا وجدت مثلاً جملة تبدأ بـ«ولقد» واكتشفت أن «الواو» لا تضيف شيئاً اجعلها «لقد» فقط. عدد من كبار المبدعين تشعر بأنهم يمسكون بأيديهم قلمًا وفى اليد الأخرى 10 «أساتيك» لتبقى  بعدها الخلاصة!!
قال لى الكاتب الصحفى أيمن الصياد إنه عندما كان رئيسا لتحرير مجلة «وجهات نظر» أن  الأستاذ محمد حسنين هيكل يراجع المقال بدقة قبل الطبع بدقائق ثم يكتشف بعد أربع ساعات أن حرف الواو فى جملة كان زائدا فيحذفه، يضيع أربع ساعات من أجل واو.
 هناك نوعان من الموهوبين الأول بطبعه غزير، يمارس الإبداع دائما ويقدمه للمتلقى بدون تردد، فى الرواية مثلا نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، والنوع الآخر  شحيح مثل يحيى حقى، وفى الشعر نزار قبانى أصدر قرابة 40 ديوانا، بينما تجد الشاعر كامل الشناوى لم يصدر طوال حياته سوى ديوان واحد، وفى الموسيقى بليغ  حمدى ومحمد الموجى عنوان الغزارة بينما محمد عبدالوهاب وكمال الطويل كانا دائمى التردد قبل  تسجيل أغانيهما، هؤلاء المبدعون الذين يعيشون مرحلة التوجس والخوف من النشر لا يعنى ذلك أنهم قليلو الومضات الخاصة، ولكنهم بطبعهم لا يشعرون بالرضا عما أنجزوه ودائما يستشعرون أن هناك شيئاً آخر لم يظهر بعد، وهكذا قد يستبعدون الكثير، حيث أنهم فى حالة ترقب ينتظرون الأجمل. الكثير مثلا من ألحان كمال الطويل التى غناها عبد الحليم، كان الطويل بعد الانتهاء منها يستشعر أن عليه أن ينساها، لولا أن صديقه عبدالحليم حافظ يمتلك ذاكرة موسيقية يقظة فكان على الفور يدندن بالنغمة فيتذكرها الطويل ويتحمس لتسجيلها.
التاريخ الفنى فى الحقيقة لا يعترف بكم الإنتاج ولكن بعمقه، مثلا المخرج شادى عبدالسلام طوال تاريخه لم يقدم سوى فيلم روائى واحد «المومياء» ولكن هذا الفيلم فى الاستفتاء الذى أجراه مهرجان القاهرة قبل 18 عاما تم اختياره كأفضل فيلم مصرى، وفى 2013 عندما أقام مهرجان «دُبى» السينمائى بمناسبة مرور 10 دورات على إنشائه، استفتاء لأفضل 100 فيلم عربى حظى «المومياء» أيضا بالمركز الأول، وعندما اختار المخرج العالمى مارتن سكورسيزى فيلما عربيا منذ نحو ست سنوات لترميمه وإعادة عرضه داخل مهرجان «كان» صعد «المومياء» الذى  تنفس مجددا على شاطئ «الريفييرا»، وسط احتفاء ضخم وكأنهم يكتشفون سرا فرعونيا.
  هل من الممكن أن نطالب صُناع الدراما الرمضانية بالعودة مرة أخرى إلى زمن «الأستيكة»، هل تتذكرون نصيحة أرنست هيمنجواى، بهاء سلطان يغنى قائلا: «قوم أقف وانت بتكلمنى»  المطلوب الآن أن يغنى لهم بهاء  «قوم أقف وانت بتكتب لى»!!∎