
هناء فتحى
مشاهدات أشرف سرحان
وأنت شاخص البصر مبدد الذهن هكذا.. متحير بين أكوام الفضائيات والبرامج.. وبين طلة المذيعين. «ورصة» الضيوف كل ليلة.. فتُسائل نفسك السؤال الشقى المكرور: من ستشاهد هذا المساء؟ حيث كثير من البرامج صار فوتوكوبى لنموذج واحد..وكثير من المذيعين عاد إلى جبلاية القرود.. أو نقل الجبلاية إلى الشاشة معه.. لكن بعض المذيعين - يعدون على أصابع اليد الواحدة - مازال يمسك بالجمر فى كفه الأولى وفى الأخرى يقبض - لايزال- على الضمير.. حلو؟ آه.. لكن الذى ليس حلواً على الإطلاق ألا ننتبه أن الإعلامى المصرى «أشرف سرحان» يقدم على فضائية «روسيا اليوم» - وليس على أى قناة مصرية - برنامجاً فريداً متميزاً اسمه (مشاهدات) لا يشبه هو أو برنامجه برنامجاً آخر على الإطلاق.
ليه؟ أقول لك:
قد يبدو لك من الوهلة الأولى أنه يقدم برنامجاً يغوص فى الشوارع والأماكن والتواريخ الروسية.. ولسوف تعرف وتكتشف فى نهاية الدقائق الثلاثين من زمن كل حلقة أن مصر هى من أراد أن يقدم مشاهداته عنها.. فلا تخلو حلقة لا يذكر فيها اسم مصر: مقارنةً أو تساؤلا أو إجابة أو تعليقا.. أو جملة موحية.. وكأن أقدامه مازال عالقا بها تراب البلد فمهما داس على تراب بلاد أخرى يحول تراب بلاده بين قدميه وخرائط البلاد البعيدة.
هذا أولاً.. أما ثانياً فلأن أشرف سرحان هو فنان مسرحى وسينمائى، فبرنامجه مزيج من السينما - الواضحة بشدة فى الموسيقى التصويرية وزوايا التصوير- وبين فن المسرح المتمثل بوضوح فى صوت «أشرف سرحان» المميز وطريقة إلقائه للكلمات فى شرح الأماكن القديمة ووصف الناس الذين مروا بها.. وبين طريقة أدائه التمثيلية الدرامية لو تطلب الأمر ذلك.. أنت هنا أمام برنامج كان المفروض أن يكون اسمه (أشرف سرحان) وليس (مشاهدات).. ليه؟ لأن أحدا آخر لن يقدر على تقديم ذات البرنامج فى حالة غياب مقدمه الأوحد.. فالبرنامج هو مخزون وتركيبة وحاصل ضرب كل مواهب وقراءات ومشاهدات أشرف سرحان وحده.
أما ثالثا.. فلأن البرنامج هو سفير لروسيا إلى العالم.. برنامج لا يخدم ويروج للتاريخ الروسى فقط بل للسياحة الروسية كذلك.. ونحن أحوج إلى سفراء مصريين إلى العالم.. وأحوج إلى ترويج آثارنا وتاريخنا ليس إلى العالم فقط بل أيضاً إلى الداخل المصرى.. التاريخ الذى لا يعرف كثير من أهله أنهم يمتلكونه!! تاريخ مصرى عريق يشطب الطائفية والعنصرية والإخوان والسلفية بأستيكة فرعونية ويحتفى بالمعارف والفلسفات والأغنيات والأديان.
لهذا سوف تعود وتسأل ذات السؤال الأول: لماذا إذن لا يقدم هذا الرجل - صاحب البرنامج الأكثر مشاهدة عربياً - برنامجه من مصر وليس من روسيا؟ هل الموضوع مش على باله؟ أم إن القائمين على الشأن الإعلامى المصرى لديهم حسابات أخرى مع إعلام آخر نعانى من ترديه وانحداره؟
ونحن نبنى دولة 30 يونيو الجديدة ونطالب بعودة الطيور المهاجرة إلى وطنها ونستقدم العلماء الذى فروا بعقولهم من بلادنا إلى بلاد تعادينا.. ألا نحاول إعادة الروح وعودة إعلاميينا إلى قنواتنا وفضائياتنا لتحريك المياه الآسنة وتقديم نماذج أخرى من البرامج غير تلك التى يشبه بعضها بعضاً وكثير من مقدميها مازال يرتدى ماسك الحواة.. وقليل منهم مازال يقبض على الجمر والضمير.∎