
هناء فتحى
يا حاسدين الناس.. مالكم ومال «صباح»
لم تعش «صباح» 87 عاماً كما تفهمون .. فنصف عمرها زائف وكل جمالها توقف منذ 40 عاماً عند سبعينات القرن الماضى.. وأكثر ثروتها بددتها على علاج ابنتها الوحيدة من الإدمان وماتت فقيرة.. حتى الرجال التى عشقت والتى أحبت والتى تزوجت.. ياااه.. نعم كثر هم حقاً.. لكنها ماتت وحيدةً.. بعض الرجال كان لها محباً وبعضهم كان غنياً وبعضهم كان وسيماً وشهيراً لكن كثيرهم كان دنيئاً.. لم يتبق معها حتى آخر ثوانى رحلتها -الطويلة القصيرة- سوى قلبها الأبيض وابتسامتها الجميلة.. حتى ملامح صوتها العفىّ المبهج بددته منها السنون.
الذين كانوا يحسدون «صباح»...... علام كانوا يحسدون «صباح»؟ ولماذا كانوا يستعجلون موتها هكذا؟ وكأنها كانت سبباً فى أزمتهم المرورية!! وكأنها من تسببت فى تعاستهم أو إخفاقاتهم!!. أو أنها كانت خلسةً - أو عينى عينك - تسرق أو تخصم من أعمارهم ليالى وتضيفها لعمرها الشقىّ!!.
هل يختلف لون وطعم حياة «صباح» عن أيام وليالى «سعاد حسنى»؟ سعاد ماتت أصغر سناً نعم .. سعاد ماتت منتحرة - أو ملقاةً من شرفةٍ فى بلاد غريبة - نعم .. لكن الوحدة أيضاً انتحار.. الانزواء كذلك انتحار.. أن تبكى وحيداً انتحار.. أن تغنى لنفسك وتتجمل لنفسك وتكلم نفسك.. انتحار.
«أن تكون صباح»: بكل جمالها الأخاذ وصوتها الخلاب وحضورها الطاغى وشهرتها الواسعة وأناقتها الملحوظة وتحلق الرجال حولها طلباً لرضاها.. ثم تموت هكذا فقيراً بارداً حزيناً وحيداً.. بالتأكيد لابد أن نعترف لها بأن الحياة كانت قاسيةً - بزيادة شوية - عليها.. فأن تكون صباح ثم تصير نسخة لاتشبهها.. أن تكون «صورتها» التى ألفناها وحفظناها وعشقناها وثبتناها عندها.. خاصةً وهى تغنى لعبد الحليم حافظ، ثم تصبح هكذا «فوتوكوبى» من صورتها تلك؟!
الذين استعجلوا موتها وأطلقوا شائعات رحيلها قبل الرحيل.. بينما هى حية كانت ما تزال.. لم تحمل لهم بغضاً ولم تنعتهم بسوء ولم تقم عليهم دعاوى قضائية.. فقط كانت تكتفى بابتسامتها الرائعة وتقول لهم: ها أنا مازلت حيةً.. لماذا كانوا يوجعون قلبها؟ هل خذلتهم وتزوجت زعيم تنظيم داعش بدلاً منهم؟.. هل كانت سبباً فى تخلف شعوب الوطن العربى؟ هل تزعمت مع «البرادعى» عصابة الربيع العربى إياه؟
نعم.. ربما تكون صباح قد ساعدت إلى حد ما فيما حدث لها.. ليس لأنها عاشت طويلاً..فما زالت «برجيت باردو» على قيد الحياة .
لكنها أقل صخباً بل إنها اعتزلت فى أوج روعتها.. و«شادية» الجميلة رفيقة الدرب والشهرة والألق والجمال.. تعيش فى عزلتها وحيدة.. طيب فى إيه؟ إشمعنى صباح؟
سببان ربما كانا إجابةً لما سبق:
أولهما؛ كثرة عمليات التجميل التى أتت معها بنتيجةٍ عكسية .
ثانيهما؛ غرامها وزواجها برجال يصغرنها فى العمر كثيراً كثيراً.
لو تتبعت ذلك الصخب الحادث لصباح كونها قد أغرمت بشباب صغير وأكثرت من عمليات التجميل لمستوى بدل ملامحها القديمة فى عيوننا لاكتشفت أن رحلة حياتها وموتها تمت بذات السيناريو المكتوب لحياة «إليزابيث تايلور» بنفس الإضاءة والخطى.. ونفس درجة الرفض والسخط من جمهور المرأتين.. تظن واهماً يا هذا أن صباح عاشت أطول مما ينبغى - وانت مالك - لكننى سوف أنسف رأسك وأوجع قلبك وأذكرك بأن صباح عاشت ثلاثة آلاف عام هى عدد أغنياتها الجميلة.. بل عاشت ملايين الأعوام.. هى عدد القلوب العربية التى رقصت طرباً على أغنياتها الجميلة.. لكنها مثل الآخرين ماتت وحيدةً وحزينة.∎