
محمد جمال الدين
العودة التي طال انتظارها
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 17 - 12 - 2011
سبق من قبل وأن انتقدنا رجال الشرطة علي ممارسات عديدة خاصة بتطبيق الأمن بصورة لا يتم فيها احترام القانون أو تصان فيه حقوق المتهمين وآدميتهم.. وزاد انتقادنا لهم عقب تخليهم عن أداء واجبهم المنوط بهم وتسببهم في حالة الفراغ الأمني التي شهدتها البلاد عقب أحداث ثورة 25يناير.
واليوم وبعد طول انتظار عادت الشرطة إلي الشارع مرة أخري للتصدي لحالات الانفلات والبلطجة وبدأ المواطن يشعر بتواجد رجل الأمن ودوره فتسرب الإحساس بالأمن والأمان إلي نفسه مرة أخري بعد أن خيم الخوف والقلق عليها.. ولهذا وجب علينا أن نشكر رجال الشرطة علي عودتهم الحميدة التي طال انتظارها للتصدي لحالات الانفلات بأنواعها.
المواطن المصري استقبل عودة الشرطة بكل سرور وترحاب لأن هذه العودة ساعدت علي زيادة إحساسه بالاطمئنان والأمان الذي فقده منذ فترة.
العودة أيضا ذكرت المصريين باللواء أحمد رشدي أول وزير داخلية رفض الجلوس في مكتبه مفضلا التواجد في الشارع وسط رجاله.. وهو بالمناسبة نفس الأسلوب الذي اتبعه وزير الداخلية الحالي اللواء «محمد إبراهيم» إلا أن تواجد اللواء إبراهيم في الشارع له مغزي آخر يختلف تماما عن مغزي سابقه الذي كان يتبعه «أحمد رشدي» فحاليا تواجد وزير الداخلية في الشارع يعني دعما لرجاله الذين تأثرت نفسيتهم بشكل كبير بسبب الممارسات الخاطئة لبعض المنتسبين لجهاز الشرطة في تعاملهم مع الشعب وما عقب ذلك من اعتداء عليهم وعلي مقارهم مما تسبب في إحداث وقيعة بين جهاز الشرطة والشعب، تلك الوقيعة تبددت تماما عندما شعر المواطن بوجودهم مرة أخري لخدمته وتوفير الأمن له وللمجتمع بعد زيادة حالات الانفلات والبلطجة.. لذلك لم يكن غريبا أن يلتف المواطنون حول وزير الداخلية ورجاله وهم يطوقونهم بالورود ويطالبونهم بضرورة عودة الأمن للشارع المصري والضرب بيد من حديد علي كل من يفكر في الاعتداء علي المواطنين وتهديد أمنهم وممتلكاتهم.
عودة الأمن وتوفير الحماية كان تحديدا المطلب الأول من رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري لوزير الداخلية ورجاله ويأتي في المرتبة الأولي في قائمة الأولويات فلا يعقل أن تصبح مصر بلد الأمن والأمان مرتعا للمجرمين والبلطجية، ولا يعقل أيضا أن يشهد المجتمع جرائم لم تكن معروفة عندنا من قبل مثل الخطف والتثبيت وطلب «الفدية» علي الأنفس والسيارات لدرجة وصل معها الأمر إلي أن أصبحت هناك سوق رائجة وتسعيرة للسيارات المسروقة والتي يطلب من أصحابها فدية لاستعادتها، هذا بخلاف جرائم السطو المسلح علي محلات الذهب في «عز» النهار. جرائم عديدة شهدها مجتمعنا عقب أحداث دامية كانت مصحوبة بغياب كامل للشرطة أعتقد من وجهة نظري أنه كان مقصودا ومدبرا من قبل البعض لتحقيق غرض ما.
وكم كان جميلا أن يفرح المصريون لتواصل حملات الشرطة في جميع ربوع مصر ولكن الأجمل هو ما تم ملاحظته من مشاركة الشعب لشرطة بلاده في التصدي للمجرمين والبلطجية ووقوفهم مع رجال الشرطة للتصدي لجميع حالات الانفلات بعد أن تأكدوا أن توفير الأمن لن يتحقق بجهود الشرطة فقط وإنما يجب أن يشاركوا في هذه الجهود والتصدي لأي سلوك ضد القانون.
يبقي السؤال الذي لابد من البحث عن إجابة له وهو إذا كان في مقدور الشرطة أن تعود لممارسة دورها بهذه القوة فلماذا لم تقم به من قبل؟
الإجابة عن السؤال ستضع كثيرا من الحلول لأغلب المشاكل التي عانينا منها مؤخرا في جميع مناحي حياتنا، وأعتقد أنها لن تخرج عن الإدارة واختيار الرجل المناسب للمكان المناسب، فمن المعروف أن لكل مرحلة ظروفها، هذه الظروف تتطلب ممن يتصدي لمسئولية أي موقع أن يتمتع بسمات تؤهله لأداء الدور المنوط به وهذا ما أدركه وزير الداخلية الحالي عندما كلف بإدارة الأمن في البلاد والذي عن طريقه يمكن تحقيق أمور كثيرة يأتي في مقدمتها دوران عجلة الإنتاج وعودة الاستثمار، فلا يمكن لأي مستثمر عاقل أن يلقي بأمواله في بلد لا يتوافر فيه الحد الأدني من الأمن، وإلا أصبح مثل القائد المجنون الذي يرمي بخيرة جنوده في معركة خاسرة قبل أن تبدأ، لذلك لم تكن هناك أية فائدة من الحديث عن زيادة حجم الاستثمار في البلاد أو رفع معدل الاقتصاد والسياحة ودوران عجلة الإنتاج في المصانع المعطلة إذا لم يتوافر الأمن.
عموما حسنا فعل وزير الداخلية عندما وقف في الشارع وسط رجاله فبث الثقة في نفوسهم مرة
أخري وهي مهمة صعبة لم نتوقع أن تتم بهذه السرعة فنال محبة ورضا الناس، بعد أن كان ضابط الشرطة يتخفي في ملابسه «الملكية» في وقت سابق وتخلي عن البدلة «الميري» ووصل الحال ببعضهم إلي إخفاء سلاحه بين ملابسه أو عدم حمله من الأصل حتي لا يعرف أحد أنه ضابط شرطة.
عودة الشرطة إلي أداء دورها أمر طبيعي ولكن المساندة الشعبية مطلوبة، كما أن هذه العودة يجب أن تكون قوية علي المجرمين والبلطجية، متعاونة ومتحابة مع من يطلبون الخدمة من أجهزة الشرطة المختلفة لأن الشرطة دائما وأبدا في خدمة الشعب لأنها نفسها من الشعب، فرجل الشرطة قد يكون قريبي أو قريبك ولهذا فتحية واجبة لشهداء الشرطة الذين هم أنفسهم شهداء الوطن والواجب مثلهم بالضبط مثل شهداء ثورة 25يناير، وكذلك تحية واجبة للشعب المصري الذي رحب بأبنائه من رجال الشرطة الشرفاء الذين سيحمونه ويحمون مصالحه ولن يكونوا أبدا في خدمة الحاكم ونظامه بعد ثورة 25يناير.