
محمد جمال الدين
النخب السياسية والأحزاب الغائبة!
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 26 - 11 - 2011
كشفها اعتصام شباب التحرير الأخير:
النخب السياسية والأحزاب الغائبة!
منذ يوم السبت الماضي وميدان التحرير يشهد اعتصاماً مفتوحاً من قبل الشباب الذي أشعل ثورة 25 يناير تضمن الاعتصام مليونية إنقاذ الثورة التي دعا إليها عدد من القوي السياسية وائتلافات الثورة.. تلك المليونية فرقت أكثر مما جمعت حيث قوبلت باعتراض شديد من الشباب المعتصم في الميدان لأنها جاءت بعد ثلاثة أيام كاملة من الاعتصام وقع فيها العديد من الشباب ما بين قتلي وجرحي وهذا ما اعتبره شباب الميدان خيانة لهم ولثورة 25 يناير.
اعتصام الشباب كالعادة غابت عنه النخب السياسية ليواجه المعتصمون بطش الأمن وجبروته فسالت دماء المصريين وللمرة الثانية من أجل نيل حريتهم وهذا الأمر تحديدا لابد وأن يجري بشأنه تحقيق علي أعلي مستوي لتحديد المسئول عن هذه الجريمة التي ارتكبت في حق مصر وشبابها.
غياب النخبة لم يكن مستغربا لدي الكثير من العالمين ببواطن الأمور وهذا ما اكتشفه شباب الثورة مؤخرا فأغلب الأحزاب السياسية ثبت عدم جدواها وأثبتت الأيام الماضية مدي هشاشتها وضعفها فهي حتي الآن لا تملك الشعبية اللازمة التي تمكنها من أداء دورها في الحياة السياسية فسبق وأن قامت أحزاب بالاتفاق والتقرب مع رموز النظام السابق لنيل مقعد في مجلس الشعب كما سبق وأن شكلت أحزاب وافق عليها أيضا مسئولو هذا النظام لمجرد أن القائمين عليها يلقون القبول لدي هؤلاء المسئولين هذا بخلاف أحزاب كانت تنتظر الدعم المادي لمجرد أن يكون لها وجود ليكتمل الشكل الديمقراطي الذي كان يدعيه النظام السابق هذا ما كان ينطبق علي الأحزاب التي كانت موجودة قبل الثورة، أما بعدها فقد شهدت الساحة السياسية عددا لا بأس به من الأحزاب دورها لم يتضح بعد بدليل أن بعضها سبق وأن طلب تأجيل الانتخابات لعدم استعدادها بالشكل الذي يضمن لها أداء دورها السياسي علي الوجه الأكمل وهناك أحزاب طلب أعضاء فيها تقديم استقالات منها بعد أن طالبتهم قيادات أحزابها بدفع رسوم ترشيحها والتكفل بمصاريف الدعاية لمرشحيها، هذا بخلاف أحزاب أخري لا يسمع عنها رجل الشارع أصلا حتي ينضم إليها أو حتي يتحدث عنها.
وبوجه عام أن ما حدث في التحرير خلال الأيام الماضية أثبتت بما لا يدع هناك أدني مجال للشك أن أغلب القوي السياسية لا يهمها سوي الحصول علي أكبر عدد من المناصب القيادية سواء في مجلس الشعب أو الشوري وكذلك أكبر مكاسب من الثورة التي تم انتشالها من الشباب الذي قام بها، في الوقت الذي وقفت فيه نفس هذه القوي في موقف المتفرج وهي تشاهد الشباب يقتل داخل ميدان التحرير فظهر موقفها الحقيقي واتضحت أهدافها غير المعلنة التي جاهدت كثيرا في عدم إظهارها بعد القضاء علي النظام السابق الذي كان يعرف كيف يحركها لعلمه بحقيقة حجمها في الشارع.
هذا هو موقف الأحزاب والقوي السياسية التي منها أيضا جميع القوي والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية إلا أن ما حدث منهم علي وجه التحديد أيضا خلال الفترة الأخيرة يثبت انتهازيتهم حيث اتضح مسعاهم الأول والأخير والمنحصر في الوصول إلي كرسي الحكم وذلك عن طريق التسلل إليه من خلال النقابات أولا ومنها ينقضون علي المجالس النيابية لتمرير ما يحلو لهم من قوانين حتي يصلوا إلي كرسي الرئاسة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف تحاول القوي ذات المرجعية الدينية فرد عضلاتها لإثبات أنها القوي الوحيدة المسيطرة علي مقاليد الأمور في البلاد، «حتي ولو كان علي حساب دماء شهداء الثورة التي فضحت نواياهم » والتي حاولوا أن يفرضوها علينا في مليونيتي جمعة «قندهار» الأولي والثانية، ثم عاد وصرح قادتهم بأنهم ليسوا مع إجراء المليونيات ودعوا أيضا لعدم اشتراك شبابهم في الاعتصام الأخير، مما دعا بعض الشباب المنتمين لهذه التيارات إلي إعلان استقالاتهم منها وكانت حجتهم في ذلك بأنهم لا يريدون أن تتصاعد الأحداث أكثر مما هي متصاعدة حاليا أي أنهم يلعبون في مسألة المليونيات وفق ما يحقق أغراضهم فقط دون النظر لمصلحة الوطن.
كما أن هناك أحد قادتهم وهو الشيخ «حازم صلاح أبوإسماعيل» المرشح المحتمل لمنصب رئيس الجمهورية الذي ذهب إلي الميدان في بداية الاعتصام مصحوبا بعدد من أنصاره وهم يهتفون «إسلامية إسلامية» في محاولة منه للفوز بأي نصيب فتصدي له شباب التحرير وطردوه هو وأنصاره غير مأسوف عليه لأن لغته مختلفة عن لغة الشباب، الغريب أن المرشح المحتمل عندما شعر بخطأ ما ارتكبه عاد مرة أخري مع نفر من أنصاره ليهتف معهم «إسلامية ليبرالية» اعتقادا منه أنه يستطيع أن يقنع الشباب أو يضحك عليهم ليحقق أرضية لنفسه قد تنفعه حين يترشح رسميا، فما كان من شباب التحرير سوي طرده مرة أخري.
نفس الأمر تكرر مع الدكتور محمد البلتاجي عضو المكتب التنفيذي لحزب «الحرية والعدالة» الجناح السياسي لجماعة الإخوان عندما تم طرده من الميدان بعد أن أحس شباب الميدان بتخلي جماعة الإخوان عنهم لعدم مشاركتهم إياهم في الاعتصام، وهو أيضا ما حدث مع الدكتور «محمد سليم العوا» المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية بعد أن استقبله شباب التحرير بهتاف «مدنية مدنية» لإحساسهم بأنه جاء إليهم للدعاية لنفسه واستغلال معاناتهم.
هذه هي بعض تجاوزات النخب السياسية التي تم كشفها شباب الميدان وأعلن عن رفضها والتي بالتأكيد أخلت بموازين القوي التي كانت تعتمد عليها هذه النخب والأحزاب السياسية بعد أن اعتمدت منهج السباحة ضد التيار وغلبت مصلحتها الشخصية علي مصلحة الوطن.. وأخيرا لابد أن نقول إن المتربصين بمصر كثيرون ولهذا علينا أن ننتبه ونحن نقدم علي الخطوة الأولي في طريق الديمقراطية وهي الخاصة بالانتخابات فهي تعد بوابة العبور والانتقال الحقيقي إلي السلطة المدنية والتي تستطيع أن تمثل الشعب باعتبارها سلطة منتخبة حتي نخرج من عنق الزجاجة الذي وضعنا أنفسنا فيه سواء بقصد أو بدون قصد.. وهذا ما تعهد به المجلس الأعلي للقوات المسلحة هذا التعهد لوحده في حالة إتمامه يكفي ليكون وساما علي صدر كل فرد ينتمي لهذه المؤسسة المصرية العريقة بعد أن أصبح كل من هب ودب يتمسح في الثورة ويناضل باسمها.
ملحوظة: هذا المقال تمت كتابته قبل مليونية «الفرصة الأخيرة».