
محمد جمال الدين
خطفوا الثورة.. ولكن
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 19 - 11 - 2011
الآن.. والآن فقط تأكدت أن ثورة 25 يناير قد تم خطفها وشاركنا جميعا في ذلك، فنهش فيها من نهش، وتاجر باسمها من تاجر، وزايد عليها من زايد، «لا أستثني أحدا»، وللأسف كانت مصر هي الضحية المؤكدة لذلك بعد مشاركتنا سواء بقصد أو بدون قصد في الإساءة إليها والنيل من اسمها. البداية كانت علي يد مجموعة الشباب الذين أشعلوا فتيل الثورة ثم انضموا إليهم من انضم من أفراد الشعب.. هذا الشباب الذي خرج يطالب بالحرية والعدل والمساواة هم أول من أساء إلي الثورة عندما انقلب علي بعضه، فأصبح هناك أكثر من فريق وائتلاف بعد أن سلطت عليهم الأضواء ففاز بالغنيمة من فاز، وأصبح اسمه معروفا للجميع وتسابقت الفضائيات وكذلك الإعلام علي استضافتهم، أما من بعدت عنه الأضواء والنجومية أو شعر بانتهاء دوره بإسقاط النظام فقد قرر الانزواء والعودة إلي صفوف الأغلبية الصامتة من المصريين لحين اتضاح الأمور، أو لعل وعسي يأتي يوم آخر يخرج فيه إلي الميدان مرة أخري ليصرخ صرخة ثانية في حالة ما لم يتحقق ما خرج من أجله سابقا، وبعدها قد يجد ما خرج له أو يجد من يسرق صرخته أيضا ليستغلها لنفسه مثلما يحدث الآن وليعود هو إلي عشه رغم صدق صرخته التي أطلقها لرفع الظلم عن نفسه وعن شعبه.
ومع تطور الأوضاع وزيادة ضغط الشباب المنادي بالحرية والتفاف العديد من فئات الشعب حولهم ظهر علي السطح ما يمكن أن نطلق عليهم «راكبي الموجة» من السياسيين والأحزاب للسطو علي إنجاز الشباب ونيل نصيبهم من تورتة الثورة، فوجدنا رئيس حزب لم يكن له أي دور في الثورة يصرح بأن شباب حزبه كان في الميدان منذ أول يوم في الوقت الذي كان يعلم فيه القاصي والداني عن اتفاقه الذي سبق أن أبرمه مع رموز النظام السابق في انتخابات مجلس الشعب الماضية مقابل الحصول علي عدد من مقاعد المجلس.
وبعدها شهد الميدان انضمام انتهازيين جدد أحدهم جاء ليصفي حساباته مع النظام السابق عن طريق إغداقه للمال علي البعض، بل إن هناك من قال إنه ساهم بأمواله في علاج بعض مصابي الثورة من جراء صدامهم مع الشرطة.
بالطبع لم يفوت الفرصة المنتمون إلي التيار الديني بجميع فصائله رغم سابق تعاونهم مع بعض رموز النظام السابق وبعض أجهزته الأمنية، وأصبحت المليونيات السمة المميزة لميدان التحرير من قبل هذا الفصيل أو ذاك فهذه مليونية للغضب، وأخري لاستعادة الثورة، وتلك للمطلب الواحد و«أهو كله مليونيات»، وأصبح «العدد في الليمون»، ففقدت الكلمة معناها وقيمتها وتضررت مصالح الناس أكثر مما هي متضررة.
ورغم عدم وجود أرضية جماهيرية للأحزاب الموجودة وعدم تأثيرها في الشارع، ظهرت أحزاب جديدة أجزم بأنه لا أحد في مصر الآن يستطيع أن يحصي عددها، فهذا تم تأسيسه وذلك تحت التأسيس و«كله بثوابه»، وكأن الأحزاب القديمة قد قامت بدورها علي الوجه الأكمل، ولكن هيهات لا القديم فلح ولا الجديد طلح، فجميعهم سيان، ودليلي علي ذلك العجز التام لجميع الأحزاب عن تقديم مرشح للرئاسة حتي الآن، وإن كان لهذه الأحزاب من نتيجة فهي في اعتقادي تنحصر في زيادة عدد الجرائد الناطقة باسم هذه الأحزاب، وهذا ما سيصب في صالح الجماعة الصحفية، وهذه النتيجة تؤكد أن في مصر جرائد تتكون بسببها أحزاب وليس أحزابا تصدر جرائد! كل هذا يتم والسادة أعضاء حزب الأغلبية الصامتة لا يعون ما يدور حولهم أو أنهم يعون، ولكنهم لا يهتمون رغم أن ما يحدث في مصر الآن سيكونون هم أول ضحاياه بتطبيقهم نظرية الصمت، فشاركوا بصمتهم هذا في جريمة خطف الوطن التي تتم تحت سمعهم وأبصارهم! صمت الأغلبية ساهم بدوره في موجة الغلاء التي تشهدها البلاد المصحوبة بالعديد من حالات البلطجة التي يستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة النارية والبيضاء في الشارع المصري بسبب الانفلات الأمني وعدم قيام الشرطة بواجبها مع اعترافي التام بأن هناك عددا كبيرا من أفراد هذا الجهاز يبذل الجهد والدماء لحماية هذا الوطن، ولكن انسحابها من الشارع وقت الثورة أثر علي أدائها وعلي نفسية أفرادها.
وبدلا من سقوط النظام سقطت الدولة حينما وقعت في مستنقع الخلافات والانتهازية التي نشبت بين النخب السياسية ومسئولي الأحزاب مثلما وقعت أيضا في بحر المطالب الفئوية التي ليس لها آخر حتي وإن كانت عادلة، فكل فئة لها مطالب واحتياجات زادت بعد موافقة الحكومة علي بعضها لتفادي الصدام مع أصحاب هذه المطالب فطال سقفها حتي وصلت مؤخرا إلي عنان السماء خاصة بعد اقترانها بأمور أخري مثل التهديد بالاعتصام والاحتجاج وعدم العمل، مما أضر باقتصاد مصر الذي يعاني أصلا، هذا بخلاف قطع الطرق وحاليا استجد علينا خطف الرهائن وعزل المحافظات في الوقت الذي تقف فيه أجهزة الدولة عاجزة عن مواجهة هذه الخلافات مكتفية بعقد الوساطات وتطييب الخواطر مستعينة في ذلك ببعض القيادات الدينية والسياسية التي لها بعض التأثير، ولا عزاء للقانون الذي انتهي دوره وأصبح استرداد الحق «إذا كان هناك حق أصلا» باليد هو الوسيلة الوحيدة التي يجيدها المصريون، رغم أن العالم كله شهد لهم بسلمية ثورتهم، وبدلا من إعادة البناء إلا أن الثورة تم استغلالها لتصفية الحسابات بعد أن أظهرت الثورة أسوأ ما فينا، فهل يعقل أن يضرب الأطباء عن العمل لزيادة حوافزهم وبدلاتهم ويمتنعون عن معالجة المرضي فيتوفي مرضي وأطفال نتيجة لهذا الإضراب ولعدم تلقيهم العلاج اللازم؟! وهل يعقل أن يقف جناحا العدالة أمام بعضهما البعض ويجرح كل منهما الآخر فنشاهد الهجوم والهجوم المضاد في الوقت الذي تتوقف فيه مصالح الناس من جراء خلاف وقع بين من يفترض فيهم إعمال القانون فدهسوه بأقدامهم وأضاعوا هيبته مثلما ضاعت هيبة الدولة؟!
إن كل ما يحدث الآن لا يمكن أن يكون سوي بلطجة وأصبح البلطجية والهاربون من السجون والأحكام هم من يتحكمون في الثورة، وقد ساعدناهم جميعا في ذلك ولا أستثني أحداً كما سبق وأن قلت في بداية المقال رغم الخطر الذي يحيط بحدودنا من كل جانب، ففي الجنوب هناك مشكلة المياه مع دول منابع النيل التي لم تحل حتي الآن، وفي الغرب مازال السلاح يتدفق علينا من ليبيا، أما في الشرق فخطر إسرائيل لن يزول أبدا حتي وإن كانت هناك اتفاقية سلام مع هذه الدولة لأنهم لا يتمنون أبدا الخير لمصر ولشعبها.
ورغم كل ما يحيط بثورة 25 يناير من مخاطر وتهديد إلا أن الإصلاح مازال ممكنا، ولهذا علينا جميعا أن نقف خلف وطننا وأن نعي حقه علينا وبداية مواجهة هذا الخطر ستكون أمام صندوق الانتخابات التي يجب أن تمر بسلام ويوم نحسن اختيار من يمثلنا في مجلس الشعب.. ومن ثم نضع لبنة الاستقرار الأولي وتعود مصر إلي سابق عهدها بلد الأمن والأمان وليس بلد الفوضي والبلطجية والمنتفعين الذين صرحوا دون خوف أو أدني شعور بالخجل في وقت سابق «طز في مصر أو تولع مصر»، هؤلاء وغيرهم كُثر خطفوا ثورتنا التي مازالت في بداية طريقها.