الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الجندى.. لا يترك سلاحه

الجندى.. لا يترك سلاحه




محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 29 - 10 - 2011



فجأة ودون سابق إنذار تجددت الاحتجاجات والمطالب الفئوية مرة أخرى فى عدد من المحافظات، ولكن تظل احتجاجات واعتصامات أمناء وأفراد الشرطة هى الأخطر وتنذر بأمر لا يمكن أن تتحمله البلاد خلال هذه الفترة بالذات نظرا لما لها من أثر عكسى على المسيرة العامة لمصر.
فما شهدته محافظات مصر من اعتصامات واحتجاز للضباط فى مديرية أمن الدقهلية بخلاف تحطيم واجهة مديرية أمن البحر الأحمر وقطع طرق فى العديد من المحافظات لا يقارن بما حدث فى محافظة القاهرة، حيث قام أفراد وأمناء الشرطة بغلق شارع قصر العينى والشوارع الجانبية المحيطة به يوم الأربعاء الماضى، مطالبين بإقالة الوزير ومساعديه مما أدى إلى شلل تام فى انسياب حركة المرور وتعطيل مصالح الناس فى القاهرة، والتى امتد تأثيرها إلى مناطق عديدة من محافظتى الجيزة والقليوبية.

قد يكون من المقبول أن تحدث اعتصامات واحتجاجات من قبل فئات ليست لها علاقة بالأمن والنظام فى الشارع رغم تأثيرها على سير العمل والحياة، إلا أنه غير مقبول بالمرة مثل هذه الاعتصامات والتصرفات من رجال مكلفين وبحكم وظائفهم بحفظ الأمن والنظام والتصدى لحالات الانفلات التى تعانى منها مصر حاليا.
من المؤكد أن أفراد وأمناء الشرطة لهم مطالب ماداموا خرجوا بهذا العدد للمطالبة بها، هذه المطالب لابد من بحثها عمليا وليس على الورق أو عن طريق التصريحات حتى تزول الفوارق الكبيرة بينهم وبين الضباط لأن كليهما يكمل الآخر ولا يستطيع أحدهم بمفرده أن يحفظ الأمن ويحقق الانضباط دون معاونة ومشاركة الآخر.
ولكن فى نفس الوقت لا يعقل أن يكون هناك تمييز بين الضباط وأمناء وأفراد الشرطة بهذا الشكل، فصور التمييز واضحة ولا تقبل الشك ويكفى أن نعرف أن علاج أفراد وأمناء الشرطة وأسرهم به تمييز فى مستشفيات الشرطة، فهناك مستشفيات للضباط وأخرى لغيرهم، أما بدلاتهم وحوافزهم سواء كانت حوافز الإثابة أو السكن فهى لا تقترب أبدا ولو بنسبة معقولة من حوافز الضباط، أما التدرج الوظيفى فهم يطالبون به منذ فترة طويلة ولم يتحقق لهم بعد، كل ذلك غير ساعات العمل التى يطالبون بتحديدها، وغير مكافآت نهاية الخدمة التى تصرف لهم بعد فترة وبالتقسيط والتى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تقارن بمكافأة الضباط التى تصرف فور الوصول لسن المعاش.
مطالب جميعها مشروعة وحلها يزيل حالة الاحتقان وعدم المساواة التى يعانى منها جميع من خرجوا فى هذا الاعتصام، وأعتقد أن حلها سريعا أمر مطلوب مع ضرورة أن يتزامن مع هذا الحل النظر بشكل شامل إلى جميع القوانين المنظمة لعمل جهاز الشرطة لتتواكب مع المرحلة الحالية التى تدعو إلى ضرورة تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين، وبالطبع هذا العدل لن يتحقق إلا إذا تحقق العدل والمساواة داخل جهاز الشرطة نفسه.
ورغم إيمان الجميع بمشروعية المطالب إلا أن المطالبة بها عن طريق الاحتجاجات والاعتصامات وقطع الطرق واحتجاز الضباط هو الأمر غير المشروع بالمرة والذى لن يقبله أحد خصوصا من رجال الشرطة المنوط بهم حفظ الأمن والنظام، ويكفى أن ندلل على ذلك بما يحدث حاليا، فانعدام حالة الأمن أدى إلى لجوء العديد من أفراد الشعب إلى حماية أنفسهم وممتلكاتهم عن طريق عودة اللجان الشعبية مرة أخرى، بعد أن شمر البلطجية عن سواعدهم باغتصابهم عنوة عددا من الشقق فى 6 أكتوبر بعد قيامهم بتهديد الآمنين من الأهالى الذين خرجوا مذعورين من شققهم خوفا من الاعتداء عليهم وعلى أسرهم بعد أن غابت الشرطة وتفرغ أفرادها لمطالبهم.
«بالمناسبة تمت استعادة هذه الشقق مؤخرا بعد أن قامت الأجهزة الأمنية بدورها بالقبض على البلطجية الذين استغلوها دون وجه حق».
كما قامت بعض الجماعات بتكوين ميليشيات من أفرادها لحماية بعض المنشآت فى المحافظات.. هذا الدور كان من الممكن الأخذ به وقت اندلاع الثورة، أما الآن فهو ينذر بالخطر لأنه يقضى فى المقام الأول على الدور والمهام الأساسية المكلف بها جهاز الشرطة خاصة بعد أن أصبح السلاح فى متناول الجميع، هذا السلاح وهذا السلوك تحديدا هو نفسه ما يفرض منطق القوة الذى من الممكن استخدامه ضد الشرطة نفسها فى حالة تعارض مصلحة هذه الجماعات مع مصلحة المجتمع عند تصدى الشرطة لهذا التعارض بحكم القانون الذى ينظم عملها.
أعود وأكرر أن الوصول إلى حل عاجل وعملى لهذه المطالب أمر مهم، وذلك لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعى الذى ينشده المجتمع كله بمن فيهم أفراد وأمناء الشرطة لأنهم جزء من هذا المجتمع.
إلا أن هذا الحل لا يجب أن يأتى نتيجة لحالة الضغط المرتبطة بالاعتصامات والاحتجاجات التى مارسها رجال الشرطة، لأن رجل الشرطة حين يؤدى عمله فى موقعه سواء كان فى الشارع أو فى الأقسام يعد وكأنه فى معركة مقدسة مثله فى هذا مثل جندى القوات المسلحة فى موقعه حين يحمى البلاد من أى عدوان خارجى وغير ذلك يعد من قبيل الهروب من أداء الخدمة ويحاكم عليها عسكريا.. لهذا لا يمكن أن يقبل المجتمع ما يفعله أفراد الشرطة حاليا، فهو يعد أيضا نوعا من أنواع الهروب من أداء الواجب المكلف به لحماية المجتمع والأمن الذى هو فرد من أفراده.
أما عن المطالب وتحسين الأوضاع فكان يجب تقديمها بشكل مختلف عن هذا الشكل الذى رأيناه، وأعتقد أن هناك العديد من الطرق والوسائل التى يمكن عن طريقها إيصال هذه المطالب وتحقيقها شريطة أن يتحقق ذلك فى ظل القانون المنظم لعمل كل جهاز فى الدولة والذى لابد أن يطبق على الضابط والأمين وعلى الغنى والفقير حتى يتحقق العدل والسلام الاجتماعى الذى ننشده والذى بالتأكيد لا يجب على أى فرد من أفراد الشرطة أن تشوبه شائبة، أما أن يكون الاعتصام والاحتجاج هو الحل وترك العمل وتعطيل مصالح الناس والوقوف فى الشارع لهو المرفوض تماما خصوصا إذا جاء من العسكريين لأن الجندى لا يجب أن يترك سلاحه أو يقصر فى واجبه المكلف به.