الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بالقانون.. ولا شيء سواه

بالقانون.. ولا شيء سواه





محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 15 - 10 - 2011

 

«الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها»، كثير من المصريين يرددون هذه الجملة عند وقوع أي أحداث عنف طائفي فأصبحت مثل الأكلشيه الذي يتم طبعه علي أي شيء يتردد كثيرا في حياتنا. ولكن السؤال هنا: هل فعلا الفتنة نائمة في ظل ما تمر به بلادنا من أحداث؟
بداية، لابد أن نعترف بأنه لا أحد في مصر يحب هذا المصطلح الذي يردده البعض بأن هناك فتنة طائفية، وإنما الحقيقة أن هناك جهلا ساهم فيه انتشار الأمية الثقافية والجهل في مجتمعنا، مما أدي إلي استخدام كلمات ومصطلحات من قبل بعض المنتفعين الذين يطلقون مثل هذه المصطلحات لتحقيق أغراض ومصالح خاصة تهدف في المقام الأول إلي الإضرار بمصالح مصر وشعبها.

والأمر الذي يدعو للأسف أن هذا يتم في ظل استمرار حالة الغفلة التي يمر بها القانون وعدم تطبيقه بصورة عاجلة علي من يخطئ في حق هذا الوطن أو في حق شريكه الآخر في نفس الوطن، لأن ازدياد حالات الاحتقان الطائفي وآخرها ما حدث في إمبابة وعين شمس وأسوان ثم ماسبيرو كان يجب التصدي لها بكل حسم عن طريق إعمال القانون، لأن عدم تطبيقه بالشكل الصحيح يعد من قبيل الرضوخ التام للأمر الواقع واللجوء إلي حلول لم تعد قابلة للتطبيق في هذا الوقت مثل المجالس العرفية، وللعلم فهذه المجالس منذ بداية عملها في نظر أي مشكلة وحتي نهايتها منها لا عمل لها سوي مباركة الصلح بين أطراف النزاع دون أن يكون لها أدني دور في معاقبة الجناة المشاركين في هذا النزاع، مما يعد التفافا حول القانون الموضوع أصلا لحل مثل هذه النزاعات.
وفي ظل هذه الظروف والأحداث الحالية التي تمر بها البلاد أصبحت مثل هذه المجالس غير ذات جدوي، بل إنها أصبحت موضة قديمة يجب عدم الأخذ بها في الوقت الحاضر، كما أنها في أغلب الأحيان تضم أشخاصا ليس لهم شأن كبير في الدين أو الحياة، مما يزيدون الأمور تعقيدا حتي إن كانت تضم بعض الشيوخ والقساوسة فدورهم ينحصر في إتمام الصلح دون حل المشكلة، كما أنها لم تساعد في حل جذري لأحداث الفتن الطائفية، كما يطلق عليه البعض، بل إنها في كثير من الأحيان تؤدي إلي اشتعالها!
إن تفعيل القانون وتطبيقه لو كان قد تم منذ أحداث الزاوية الحمراء ما كنا وصلنا إلي ما نحن فيه الآن، لأنه عقب هذه الأحداث مباشرة تمت اعتقالات سبتمبر التي لم تفرق بين مسلم ومسيحي، وهي بالمناسبة تتشابه مع الأحداث التي أوصلتنا بعد ذلك إلي حادث المنصة الذي تم فيه اغتيال الرئيس السادات.
هذه التداعيات والأحداث وغيرها كثير جعلت عددا كبيرا من عقلاء هذا البلد ينادي بأعلي صوته بضرورة تفعيل القانون وتطبيقه علي الجميع تحقيقا لمبدأ المواطنة، وهذا الأمر ما سبق وحذر منه كثيرون من أبناء هذا الوطن بعد أن وصلت الحال إلي تحدي الدولة وأحكام القضاء والتهديد بالاعتصام والتخريب لحصول أي فئة علي ما ليس من حقها.
وما يحدث الآن ما هو إلا نتيجة طبيعية لتساهل الدولة وتراخيها طواعية عن دورها بموافقتها علي عقد مثل هذه المجالس، بعيدا عن تطبيق القانون مما أفقدها هيبتها والتنازل عنها لمن يشاركون في هذه المجالس.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل المجتمع بأن يكون هناك حل ودي أو قرار من مجلس عرفي لرجل قطعت أذنه لمجرد أنه مسيحي، والمؤسف أكثر من هذا الحل أو القرار هو أن توافق عليه أجهزة الدولة ويهلل له الإعلام دون أن يكون هناك حساب لمرتكب هذا الجرم الذي كان يجب أن يعاقب علي ما ارتكبه، ولكن أن يكون حرا طليقا بناء علي هذا الحل فهو مرفوض وغير مقبول بالمرة لأن في ذلك تكريسا للاختلاف بين أبناء الوطن وعدم تقبل شريكه الآخر.
ولذلك ينبغي أن يكون القانون سيدا علي الجميع وبلا استثناء ودون ازدواج في المعايير، ولهذا تحديدا ينبغي أن يخضع المسجد والكنيسة لأحكام القضاء في حالة مخالفة القانون، فعندما يري المواطن الذي يرتاد المسجد أو الكنيسة أن القانون يطبق علي الجميع ودون تمييز سيفكر كثيرا قبل ارتكاب أي فعل غير قانوني، وهذا سيساهم بشكل كبير في معالجة أعراض داء الاحتقان الطائفي.
ولحين معالجة هذا الداء ينبغي أن يتم سد الفراغ السياسي الذي تسبب فيه هذا الداء وأحدث تحولا في اهتمامات المصريين والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين، فمصر طوال تاريخها ذات مجتمع متماسك يستطيع فيه المسيحي أن ينجح في دائرة أغلبها مسلمون والعكس صحيح، ولكن هذا المجتمع صار تاريخا ولم يعد له وجود الآن بعد أن تمكن منا فلول النظام السابق والمستفيدون منه، فزرع الفتنة كان من أهم أدوات هذا النظام، ولنتذكر حادث كنيسة القديسين وغيرها من الحوادث الأخري التي لم يتخذ فيها قرار ولم يُفَعّل فيها القانون.
واليوم علي الجميع أن يقف أمام مسئوليته للحفاظ علي أمن مصر وسلامها، ولهذا يجب أن تتخذ إجراءات رادعة لكل من تسول له نفسه أن يتخطي القانون ويتجاوز حدوده ويتحدي الدولة وأحكام قضائها، وهذا يجب أن يعلن صراحة، فلا أحد فوق القانون أو المحاسبة. إن دولة القانون أصبحت المطلب الحقيقي الذي لابد من تطبيقه بعد التراخي المتعمد من قبل النظام السابق.
وأخيرا نحن أمام أزمة حقيقية أدت إلي حدوث توتر عام ينذر بضياع الثورة ومكاسبها ووقتها لن ينفع الندم.. اللهم قد بلغت.
وليرحم الله شهداء الوطن في الأحداث الأخيرة.