
محمد جمال الدين
إنهم يحاولون اختطاف الثورة
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 08 - 10 - 2011
- ثورة 25 يناير تعرضت للعديد من الطعنات الصديقة وغير الصديقة، هذا بخلاف من حاول السطو عليها من منتحلي ومحترفي السياسة والدين
- اختلاف القوي السياسية في مصر وعدم اتفاقها سببه الصراع علي السلطة.. ولكنهم اتفقوا فيما بينهم علي لغة التهديد والوعيد دون أن يقدموا شيئا يذكر للنهوض بمصر
انتابني إحساس غامر بالفخر يوم الخميس الماضي حينما شاهدت احتفالات القوات المسلحة بالعيد الثامن والثلاثين بذكري انتصار السادس من أكتوبر العظيم.
ففي مثل هذا اليوم وقف شعب مصر وقفة رجل واحد المسلم بجانب شقيقه المسيحي، الغني بجانب الفقير، المتعلم بجانب غير المتعلم، وقتها لقن الجميع العدو الإسرائيلي درسا لن يمحي من ذاكرة أي إسرائيلي. ولكن هذا الإحساس المتزايد بالفخر الذي تملكني بقوة سرعان ما زال من نفسي عندما قارنت بينه وبين ما يدور في مصر حاليا، فالوحدة والحب لمصرنا العزيزة والوقفة الجماعية والتكاتف والتضحية تبدلت وحل محلها أشياء أخري، وأصبحت المصلحة الشخصية هي الحاكمة لدي البعض من المصريين.
فالجميع يتصارعون لنيل نصيبهم من كعكة الحكم سواء في انتخابات مجلس الشعب أو الشوري، وكذلك انتخابات الرئاسة دون أن ينظروا لمصلحة مصر وأمنها.
ولهذا لم يكن غريبا أن نري أغلب القوي السياسية الموجودة علي الساحة وقد دب الخلاف بين أوصالها في كثير من الأمور وحتي ميعاد الانتخابات التشريعية التي يستعدون لها، هناك من ينادي بضرورة إجرائها علي وجه السرعة، وهناك عدد كبير آخر يطالب بضرورة تأجيلها لأنهم لم يستعدوا لها بعد.
الأدهي أن الحزب أو الائتلاف الواحد شهد في داخله أيضا العديد من الخلافات، ولم يعد هناك إجماع علي رأي واحد، فهاهم شباب الإخوان يطالبون قيادات حزبهم «الحرية والعدالة» برئيس جديد للحزب بدلا من الدكتور محمد مرسي بسبب توقيعه علي بيان المجلس العسكري لأن هذا يعد تراجعا من وجهة نظرهم عن مسار الثورة وخروجا عن الإجماع الشعبي.
حتي مرشحي الرئاسة لم يتفقوا فيما بينهم فهاهو الدكتور البرادعي يرفض حضور اجتماع مرشحي الرئاسة الذي وضعوا فيه جدولا زمنيا لإجراء الانتخابات وانتقال السلطة، ومثله عمرو موسي الذي انسحب من المؤتمر وترك بدلا منه مندوبا بحجة أنه مرتبط بمواعيد في مقر حملته الانتخابية، و«كأنه كان لا يعرف أن هناك اجتماعا يعقبه مؤتمر صحفي»، أما حازم صلاح أبوإسماعيل فقد حضر الاجتماع متأخرا لسبب لا أعلمه، وسواء كان عدم حضور البرادعي أو انسحاب عمرو موسي بحجة المواعيد أو عدم رضاه عن البيان الذي تضمن جملة أو عبارة تلزم المجلس العسكري بميعاد محدد لانتقال السلطة، فإن الأمر المؤكد أن الاختلاف وعدم الاتفاق ساد بين الجميع سواء من رجال الأحزاب أو من مرشحي الرئاسة وللإنصاف والحقيقة فإنهم اتفقوا في أمر واحد فقط وهو استخدام لغة التهديد والوعيد، فمنهم من حدد مهلة زمنية للمجلس العسكري لتسليم السلطة، ومنهم من طالب باستمرار المظاهرات والاعتصامات وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه، ومنهم من جمد حملته الانتخابية لحين اتضاح الصورة.
لا يفوتني هنا أن أنوه عن الانقسامات والخلافات التي دبت بين بعض ائتلافات الثورة مثل الخلاف الذي حدث في حركة «6 أبريل» بين جناحي الخولي وماهر وهاجم كل فريق الآخر.
هذه الخلافات والانقسامات هي نفسها التي جعلت الدكتور ممدوح حمزة المتحدث الرسمي للمجلس الوطني يصرح بأن تحقيق مطالب الثورة لن يتم بالمظاهرات والمليونيات التي فقدت معناها بعد أن تحول ميدان التحرير إلي ساحة للدعاية الانتخابية لهذا الفصيل أو ذاك.
الكل يتصارع من أجل السلطة ولا عزاء للثورة التي قام بها شباب نقي غرضه الأساسي الإصلاح والعدل، ولم يكن يدري أبدا أن الثورة التي قام بإشعال فتيلها ستتحول بين ليلة وضحاها إلي قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الجميع بعد أن تعرضت «الثورة» للعديد من الطعنات الصديقة وغير الصديقة، هذا بخلاف من يحاول السطو علي الثورة من منتحلي ومحترفي السياسة والدين، والذي طالب أحدهم بضرورة تغطية التماثيل بعد أن سبق وخرج علينا من نادي بعدم ارتداء المايوه «البكيني» مستغلين في ذلك دغدغة مشاعر المصريين والوصول إلي قلوبهم عن طريق الدين والحلال والحرام لإدراكهم التام بمدي تمسك الشعب المصري بدينه.
هؤلاء بالمناسبة وغيرهم كثر لم يقدموا شيئا يذكر للشعب المصري ولا تجدهم إلا وهم يطالبون ويتظاهرون ويعتصمون، ولكن عندما يطلب منهم المشاركة في وضع الحلول يختفون، لأن دورهم الأساسي انحصر في المطالب فقط مع تحميل المجلس العسكري والحكومة مسئولية التدهور الحادث في مصر دون أن يكون لهم أدني مشاركة إيجابية تجاه إيجاد حلول لهذا التدهور.
المهم المكسب والعائد الذي سيعود عليهم، وللأسف ساعد علي هذا الضعف الواضح لدي النخبة السياسية التي اكتفت فقط برد الفعل دون أن تشارك في الفعل ذاته.. في الوقت الذي يطالبون فيه بالحوار، إلا أنه عندما تم الحوار ينقلب قادة هذه النخبة ويخون بعضهم من شارك في الحوار لتنازلهم عن حق الشعب والثورة في الحصول علي ضمانات لاستمرار مسيرة الانتقال الديمقراطي، مما أدي إلي حدوث حالة من الفوران والثورات داخل الأحزاب نفسها لتعارض الآراء بين من وافق ومن عارض، وهذا ما ظهر جليا بين أعضاء حزب العدل الذي اعترض بعضهم علي توقيع الدكتور مصطفي النجار وكيل مؤسسي الحزب عقب توقيعه علي بيان المجلس العسكري. مثل هذه التوابع والثورات حدثت في أغلب الأحزاب التي حضر ممثلوها اجتماع المجلس العسكري وعقب البيان الذي صدر عن هذا الاجتماع.
بالطبع هذه الخلافات والتعارض والاستقالات وتجميد العضوية الناتجة عن تباين الآراء البعض يراها صحيحة من وجهة نظره، والبعض الآخر يري فيها فرصة لتصفية الحسابات ولتحقيق أكبر قدر من المكاسب والمصالح.
هذا ما اتضح أيضاً وظهر للقاصي والداني بعدما قرر حزب الوفد تشكيل قوائم خاصة به يدخل بها الانتخابات المقبلة بعيدا عن جماعة الإخوان التي سبق أن تحالف معها بعد تعارض المصالح حول تحديد حصة مقاعد كل منهما.. وهنا لابد أن تحكم المصلحة دون النظر للوطن وللشعب الذي سينتخب هذا المرشح أو ذاك.
من أجل كل هذا دعونا نؤكد أن ما أفرزته المرحلة الماضية لخطير جدا لأن إمكانيات الوطن وظروفه الحالية تحتم علينا أن نقف جميعا ضد كل هذه الممارسات التي ستذهب بنا إلي طريق اللاعودة، وكفانا إثارة للأغلبية الصامتة التي أناشدها بضرورة أن تخرج من شرنقة الصمت بدلا من أن تنتظر النصيحة من قادة الرأي والنخب السياسية لأنهم مشاركون في نفس الوطن وحتي تستعيد مصر دورها في المنطقة الذي لن يتحقق إلا بالهدوء والتفكير السليم الذي لابد أن يتبعه دوران عجلة العمل والإنتاج، لأن البديل سيكون ثورة هذه الأغلبية علي الجميع ووقتها لن يجدي شيئا وسيتهدد وجودنا ووجود الأجيال القادمة من بعدنا وسنستمر في العيش داخل مرحلة عنق الزجاجة التي لن نخرج منها أبدا.