الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الدولة المدنية هي الحل

الدولة المدنية هي الحل





محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 20 - 08 - 2011

 

- صوت المواطن المصري في صندوق الانتخابات سيكون حجر الأساس في بناء الدولة ومستقبل البلد سيتوقف علي مدي تماسك المصريين بعيدا عن التوظيف الديني والمذهبي
هل يعقل في ظل المناداة بالدولة المدنية أن يعقد مجلس عرفي للصلح مع رجل قطعت أذنه لمجرد أنه مسيحي وتوافق أجهزة الدولة علي هذا الحل ويهلل له الإعلام؟

هل صحيح أن الدولة المدنية دولة مناهضة للدين وتعمل علي تقليص دوره في المجتمع؟.. وهل صحيح أنها «أي الدولة المدنية» تستبدل أحكام الدين بأحكام من وضع البشر يمكن أن يجانبهم الصواب أو الخطأ؟.. هذه أسئلة يرددها منتقدو الدولة المدنية.. ولكن المؤيدين للدولة المدنية يرددون أسئلة أخري مثل: هل العيش في سلام والحفاظ علي المجتمع من أي مؤثرات والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن العرق والدين والفكر والكلام الكبير إياه ضد المجتمع أم معه وفي صالحه؟.. وهل هذه المبادئ هي التي ينبغي توافرها في الدولة المدنية التي نتمناها في بلدنا ولا يختلف عليها أحد خاصة أن هذه المبادئ تنص، بل تشترط ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل أي فرد لأن سلطة الدولة هنا هي الضامن والتي يلجأ إليها من تعرض لانتهاك هنا أو هناك بدلاً من أن يأخذ كل فرد فيها حقه بنفسه.
مرة أخري كل هذه المبادئ التي تشكل الدولة المدنية، هل يستطيع أحد أن يختلف عليها؟ أعتقد أن من يعترض علي هذه المبادئ لا يريد الدولة وإنما يريد شيئا آخر غير الدولة التي ننشدها ونتمناها بعد ثورة يناير والتي يجب أن يقف جميع مواطنيها أمام القانون سواء بحيث لا يكون هناك أفضلية لأحد علي الآخر.
وللحقيقة هذا ما فطن إليه رجال المجلس العسكري ومنذ الوهلة الأولي لاندلاع ثورة 25 يناير، حيث اختاروا الوقوف مع الشعب ولم يقفوا مع الحاكم الذي طبق القانون والمبادئ التي تناسبه دون أن ينظر لباقي أفراد الوطن.. ومؤخرا أكد القائمون علي المجلس العسكري نفس المعني عندما صرح الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة بأن مدنية الدولة قضية أمن قومي ويجب الإصرار عليها مع استعداد قادة المجلس الأعلي للحوار مع أي فصيل سياسي أو أشخاص فيما يخص هذا الشأن.
ورغم هذه التأكيدات الخاصة بمدنية الدولة إلا أن بعض التيارات مازالت متمسكة بمبادئ وشعارات لا تصلح الآن وتتنافي تماما مع مدنية الدولة ومع الديمقراطية التي نسعي إليها. فبماذا نفسر استعانة الحاكم في فترة ما ببعض التيارات السياسية للقضاء علي تيار آخر لمجرد أن هذا التيار لا يشاركه الرأي نفسه .. لنتذكر استعانة الرئيس السادات بالتيار الإسلامي للقضاء علي مخالفيه من باقي التيارات السياسية الأخري في الجامعة وقت توليه الحكم وكيف انقلب التيار الإسلامي عليه حتي انتهي الأمر بمقتل الرئيس السادات نفسه علي يد من استعان بهم.
وبماذا نفسر التعنت في الرأي الحادث الآن من قبل بعض التيارات التي تنادي بعدم الاعتراف بأي تيار سواهم.. تجلي هذا في المليونية التي دعت إليها التيارات الإسلامية عندما نادت بإسلامية الدولة غافلين عن حقوق المصريين الآخرين في دولتهم؟
وبماذا نفسر محاولة بعض التيارات تنفيذ قانون خاص بهم بعيدا عن سلطة الدولة وتكوين ميليشيات مسلحة لتنفيذ أحكام هذا القانون بأنفسهم وكأننا مازلنا نعيش في عصر قانون الغاب الذي لم يعد له وجود في أي بقعة من بقاع العالم؟
وبماذا نفسر أيضا ازدياد ظاهرة الاحتكام للمجالس العرفية في فض المنازعات، لدرجة وصل معها الأمر إلي إجراء مجلس عرفي للصلح مع رجل قطعت أذنه لمجرد أنه مسيحي والمؤسف أن أجهزة الدولة توافق علي هذا الحل ويهلل الإعلام لهذا الصلح دون أن يكون هناك حساب للمخطئ الذي كان يجب أن يعاقب جراء ما ارتكبه من جرم في حق مواطن مصري آخر؟
وأخيرا بماذا نفسر خروج أحد السلفيين ليقول إن السلفية مع الدولة المدنية، لكن لا يجوز أن يتولي رئاسة الجمهورية مسيحي أو امرأة لأنه لا ولاية لذمي علي مسلم ولا ولاية لامرأة علي رجل، رغم ما في هذا من تمييز واضح بين المواطنين «بالمناسبة هذا التمييز غير موجود أصلا ضمن مبادئ الدولة المدنية» التي لا تفرق بين الرجل والمرأة أو بين المسلم والمسيحي، فكلاهما مصري. ومؤخرا خرج علينا قطب إخواني ليقول أنه يريد دولة مدنية تطبق الشريعة الإسلامية، ولم يقل لنا سيادته ما وضع المصريين الأقباط مما يقوله وما أثر ذلك علي وحدة الدولة وتماسكها بحجة أنه لا يلزم المسيحيين بتطبيق الشريعة الإسلامية عليهم.
ولمن يرددون مثل هذه الأقاويل لابد أن يعلموا أن الدولة المدنية لا تفصل بين الدين والدولة، لأنه في حقيقة الأمر الدولة المدنية لا تتعامل مع الدين بهذا المنطق، وإنما تتعامل معه باعتباره المصدر الأساسي للقيم والأخلاق التي يجب أن تسود في المجتمع لأن الدين هو جوهر أي دولة، وبالتالي فإن الدولة المدنية لا تفصل الدين عن الدولة، وإنما تفصل عن الدولة رجال الدين لأنها تري أن سلطة الدين مقرها نفس الإنسان وليس مقر الحكم، لذلك فلرجال الدين سلطتهم الدعوية ولرجال السياسة سلطتهم الإدارية الخاصة بتسيير البلاد.
ولا يخفي علي أحد أن الدولة المدنية التي أعود وأكرر أننا نتمناها لابد أن تأخذ في كل خطوة من خطواتها الديمقراطية أسلوبا ومنهجا لكي تحفظ لكل تيار حقه في الوصول للحكم مادام الاختيار عن طريق صندوق الانتخاب باعتبار أن صوت المواطن المصري سيكون حجر الأساس في بناء الدولة المدنية التي لن تفرق بين مسلم ومسيحي لأن مستقبل مصر يتوقف علي مدي تماسكها وتماسك جميع فئاتها بعيدا عن التوظيف الديني والمذهبي الذي يسعي إليه البعض وبعيدا عن مليونيات تدعو لفصيل دون آخر وعن أخري تدعو لمليونية «اللحي».
نريد دولة مدنية قائمة علي مبدأ المواطنة وتمنع الإضرار بالآخرين من شركاء الوطن، فمصر طوال تاريخها ذات مجتمع متماسك ويستطيع فيها المسيحي أن ينجح في دائرة أغلبها مسلمون والعكس صحيح، وتجعل المسيحيين يتبرعون ضمن اكتتاب عام لتمويل شراء مقر لجماعة الإخوان.. هذا هو المجتمع الذي نريده ونسعي إليه ولن نرضي عنه بديلا، شريطة أن يتم كل هذا في إطار القانون المنظم لحياة وتعاملات الناس.