
محمد جمال الدين
الشباب.. والثورة.. والبلطجة!
محمد جمال الدين روزاليوسف الأسبوعية : 11 - 06 - 2011
منذ قامت ثورة 25 يناير وجميع الأنظار تتجه إلي الشباب.. البعض لا يرضي بتصرفاتهم وهم بالمناسبة قليلو العدد والبعض الآخر وهم الغالبية يرحب بما قام به الشباب ولسان حالهم يقول: «ليت الشباب يعود يوما».. وهؤلاء لهم حجتهم لأن شبابنا أثبت للجميع أنه يمكن الاعتماد عليه وأن الصورة المهتزة التي صدرها البعض للشباب المصري لا تمت للحقيقة بصلة. إنجاز الشباب لا ينحصر فقط في قيامه بالثورة التي مازلنا نعيشها حتي الآن، ولكن لأنهم استطاعوا لم شمل أبناء الوطن لا فرق بين مسلم ومسيحي، وإنما الجميع يعيش تحت علم مصر بعد أن استخدم النظام السابق كل الطرق للتنكيل بأبناء هذا الوطن لنقف جميعاً ضد بعضنا البعض في الوقت الذي اتفق فيه هذا النظام مع ذوي السوابق وبعض الجماعات المتطرفة للوقيعة بين أبناء الوطن الواحد.
ولأن أبناء مصر بعيدو النظر فقد استطاعوا وبطرق سلمية بحتة القيام بثورتهم وإقصاء نظام مستبد لم يعمل لصالح هذا الوطن وإنما لصالح نفسه ولصالح من سار في ركابه، وهذا تحديدا ما أبهر العالم كله عندما وقفوا بصدق وعفوية يطالبون بالحرية والعدل لبلدهم الذي أحبوه حبا حقيقيا ليس قائما علي شعارات براقة، ولا ينتمون لأحزاب أو لتوجهات معينة وهذا ما أدي إلي نجاحهم ونجاح ثورتهم.
ساعدهم في هذا النجاح رجال الجيش المصري الذي رحب بثورة الشباب ووقف بجانبهم، وهذا الدور تحديدا لا يستطيع أحد أن ينكره علي مر التاريخ فلم يكن هذا الجيش سوي صورة مضيئة لمصر ولشعبها الذي هو منهم، ولهذا لم يكن الجيش أبدا ضد الشباب أو ضد ثورتهم أو ضد حركة التغيير التي طالبوا بها.. بل وقف بجانبهم حاميا ومساندا ولم يسمح للغوغاء أو للبلطجية بالاحتكاك بالشباب، كما لم يسمح لأحد من رجال النظام البائد بأن يكون شوكة في ظهر شباب مصر.. وهذا ما أكده قادة جيشنا في أكثر من تصريح من أن سلاح جيش مصر لن يوجه في يوم من الأيام إلي صدور أبناء مصر، وهذا هو عهد القوات المسلحة طوال تاريخها مع شعب مصر.
ولكن وآه من كلمة ولكن.. فبعد كل ما قدمه شباب مصر لبلدهم ولثورتهم من جهد وتضحيات نجد أن البعض يحاول سرقة ثورة شباب مصر، حيث طفا علي السطح الآن البعض من منتهزي الفرص يحاولون بكل قوة السطو علي هذا الإنجاز، حيث هرعت جماعات الإسلام السياسي وكذلك البعض من رموز الأحزاب التي لم يكن لها يوما ثقل أو دور في الشارع والبعض من رموز الحزب الوطني البائد وغيرهم من المتحولين لركوب الموجة التي اعتلاها الشباب في محاولة منهم لمحو إنجازهم ولإيهام الشعب بأنهم أصحاب الفضل في هذه الثورة.
والذي ينظر لميدان التحرير يومي 25 و28 يناير يدرك أن من يتواجدون في الميدان حاليا ليسوا من الشباب الذين قامت الثورة علي أكتافهم، بل إنهم نماذج غريبة، أنا علي يقين أن جموع الشعب المصري العظيم ترفضهم وترفض أفعالهم وسلوكهم.. ولكن وبما أنهم من منتهزي الفرص فقد وجدوا ضالتهم في التواجد في الميدان لاصطياد فرصة ما في الترويج لفكر أو لاتجاه معين علما بأن هذا الفكر أو الاتجاه مرفوض وغير مسموح به سواء دينيا أو أخلاقيا.
ولذلك علي شبابنا أن يحافظ علي إنجازه لأجل مصر ولأجل ألا يضيع ما فعلوه، وذلك بالدفاع عن بلدهم وحمايته ممن يحاولون السطو علي إنجازهم وحتي لا تصبح مصر وطنا لمثل هؤلاء المنتفعين بل تصبح دولة لكل المصريين وليس لأصحاب هذا الاتجاه أو ذاك، لأن هؤلاء لا يبغون إلا تحقيق مصالحهم وأهدافهم حتي وإن كانت لا تخدم بلدهم، ولكن لأن أچنداتهم التي يعتمدون عليها أچندات خاصة فلم يلتفتوا يوما إلي الأچندة الوطنية التي تخدم بلدهم.
وقد ساعد الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد مؤخرا في وجود مثل هؤلاء علي الساحة، وهذا ما تجلي واضحاً يوم جمعة الغضب الثانية التي تواجد فيها منتهزو الفرص، حيث مارسوا البلطجة والتحرش بعد أن اندسوا بين شباب المتظاهرين في الوقت الذي غابت فيه بعض التيارات من أبناء الثورة الحقيقيين، وأصبح القانون الشائع استخدامه الآن هو قانون البلطجة والصوت العالي وفرض الأمر الواقع في ظل تدهور الأمن، مما أدي إلي غياب التطبيق الحقيقي للقانون وحل محله ما يمكن أن نطلق عليه قانون الغاب المعتمد علي القوة التي يمارسها هؤلاء علي عباد الله لأن القانون غير مفعل بالشكل الصحيح، لذلك ظهر بيننا ما يمكن أن نسميه بظاهرة البلطجة والبلطجية وهم بالمناسبة ليسوا سوي نتاج للضغط المادي المتمثل في الفقر والبطالة وسوء الخدمات، بالإضافة إلي الضغط المعنوي المتمثل في فقدان الأسرة أو طلاق الوالدين وتكرار الاعتداءات الجسدية والمعنوية التي تدفع الطفل لاستخدام العنف وارتكاب الجريمة بأنواعها سواء كانت منظمة أو في جماعات أو بصفة شخصية، ولهذا نشأت ظاهرة البلطجة التي كانت موجودة في كل حي بحيث يتم الاستعانة بالبلطجية وقت اللزوم.
ونتيجة لتطور الزمن بالبلطجة والبلطجية استعان بهم الحزب الوطني لحماية مرشحيه وجمع الأصوات لهم سواء بالترهيب أو بالترغيب ووضع لهم تسعيرة بالطبع ليست جبرية مما فتح لهم سوقا وأحيانا بورصة يحدد فيها سعر استخدام كل بلطجي طبقا لطبيعة المهمة والسلاح المستخدم.. كما استعان بهم - البلطجية - بعض رجال الأعمال لإضفاء نوع من القوة والهيبة والوجاهة.
إحصاء عدد البلطجية في مصر غير متاح لكن ما صرح به منذ أيام المستشار محمد عبدالعزيز الجندي وزير العدل بأن عددهم تعدي ال 500 ألف بلطجي لهو أمر خطير، هذا بخلاف من هربوا من السجون أثناء الثورة وبالطبع مازال بعضهم طليقاً حتي الآن بفعل الانفلات الأمني مستخدمين في ذلك الأسلحة البيضاء والنارية بعد أن تخطينا مرحلة «النبوت» التي كثيرا ما تناولها أديبنا الراحل نجيب محفوظ في رواياته وتجسدت علي الشاشة في أكثر من عمل فني.
المؤسف أنه بعد ثورة 25 يناير عدنا مرة أخري لعصر البلطجة القديم، حيث شهد ميدان التحرير الذي نبتت من داخله ثورة الشباب واقعة بلطجة من نوع آخر استخدمت فيها السيوف والخيل والجمال وهي الواقعة المعروفة باسم موقعة «الجمل» التي أعادنا بها رجال الحزب الوطني إلي الحروب القديمة التي نشاهدها علي شاشات السينما والتليفزيون والتي بمقتضاها يتم الآن محاكمة العديد من قيادات الحزب الوطني «المنحل بحكم القضاء» التي شاركت في إخراج هذه الواقعة بالشكل الذي شاهده العالم كله وليس المصريين فقط، والتي مازال أثرها مستمرا في المجتمع المصري حتي الآن.. وهذا ما جعل العديد من أفراد الأسر المصرية يعيشون في حالة رعب من جراء هذه الظاهرة التي يجب أن تواجه بكل حسم لأن عدم مواجهتها يعني انتشارها أكثر وأكثر واستحداث أساليب جديدة في ممارسة البلطجة علي عباد الله.
ويكفي ما حدث مؤخرا في إحدي قري محافظة الغربية حيث استعان مسجل خطر بأسد كبير وصقر جارح لترويع المواطنين، وعندما قامت قوة من الشرطة بمداهمة منزله للقبض عليه أطلق عليهم الأسد الذي كاد أن يفتك بهم لولا أنهم أطلقوا عليه الرصاص فقتلوا الأسد وفر البلطجي صاحب الفكرة التي أعتقد أن أحدا لم يبتكرها في العالم حتي الآن لتنفرد بها مصر دون غيرها من بلاد الله الواسعة.
انتشار أعمال البلطجة وأدعياء الدين الذين يحرقون ويهدمون وهروب بعض المساجين بالإضافة إلي عدم انضباط الشارع بالشكل الكافي جعل المسئولين في المجلس العسكري يسارعون بإصدار قانون يقضي بإعدام من يمارس أعمال البلطجة وأعتقد أن استخدام مثل هذا القانون وغيره من قوانين دون أي تمييز أو محاباة سينهي تماما هذه الظاهرة وأي ظواهر أخري يمكن أن تضر المجتمع وتعكر صفوه.
من أجل كل هذا وذاك علي شباب مصر أن يكونوا أكثر حرصاً علي ثورتهم التي سالت فيها دماء طاهرة زكية علي مدار أيام الغضب والتي ستظل شاهدا علي مدي صدق شبابنا وغايتهم ووطنيتهم وذلك بعدم السماح لأي متسلق ولأي كائن من اختطاف الثورة ومصادرة أحلام المصريين البسطاء الذين يريدون العيش في سلام لأن مصر لن تكون في يوم من الأيام مثل إيران.. كما أن شبابنا لن يسمح بظهور ثوار مزيفين لا هم لهم سوي احتكار الفضائيات ليتحدثوا باسم الثوار الذين هم منهم براء، فلن يكون مثل هؤلاء المتاجرين بالدين والداعين لمنع السياحة واعتبار النساء سبايا وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد ثواراً لأن الثوار لهم مواصفات أخري أهمها حب بلادهم والإخلاص لها.