
طارق الشناوي
دور العمر أم صفعة العمر!!
أتابع ما يكتبه الصحفى الكبير «محمد عبد القدوس» وبابه الأسبوعى فى الوفد متدين فى دنيا الفن أختلف مع أغلب ما يكتبه زميلى العزيز إلا أننى أضبط نفسى دائما وأنا أقرأه.
كتب مؤخرا أن أداء «فاروق الفيشاوى» لدور بيرم التونسى فى مسلسل «أهل الهوى» للكاتب الكبير «محفوظ عبدالرحمن» هو دور العمر، وبالفعل من الممكن أن يكون كذلك لو أن فاروق سيؤدى شيخوخة بيرم، ولكن ما لايعلمه أغلب القراء هو أن فاروق سوف يبدأ الحلقات فى عام 1917 وبيرم فى الرابعة والعشرين من عمره وتنتهى عام 1923 وبيرم فى الثلاثين فهل من الممكن أن نتقبل 30 حلقة ونحن نتابع فاروق وهو فى معية الشباب؟
المؤكد أن فاروق لايزال يتعامل فى الحياة الفنية من منطلق أن الدور «سبوبة» أو «نحتاية» جاءت له وسوف يتقاضى بضعة ملايين فكيف ببساطة شديدة يتنازل عنها لمجرد أن عمره الحقيقى متجاوز ضعف عمر الشخصية التى يؤديها فى الحلقات، وهو مافعله أيضاً «إيمان البحر درويش» الذى يؤدى دور جده «سيددرويش»، بينما عمره الآن يقترب من ضعف عمر جده.
سوف أحيلكم إلى فاتن حمامة لنستعيد واقعة حدثت معها قبل بضع سنوات عندما اتصل بها «د.رفيق الصبان» بعد أن كتب لها مسلسلاً إذاعياً تعود به لميكروفون الإذاعة.. طلبت منه أن يروى لها الملخص قال لها تلعبين دور امرأة تنجب طفلة فى المستشفى ويحدث خطأ، حيث إن المستشفى يسلمها طفلة أخرى قبل أن يكمل «رفيق» باقى التفاصيل قالت: كيف يصدق الناس أننى لا أزال أنجب وأنا جدة.. أجابها «رفيق» أنها تمثل فقط بصوتها فقالت له: ولكن الناس تعرف عمرى واعتذرت عن الدور احتراماً لتاريخها ولجمهورها. المفروض أن كل الفنانين يحترمون ذاكرة الناس!
نعم الماكياج من الممكن أن يفعل الكثير، ولكن ليس إلى درجة أن يختصر من ملامح وجهى البطلين الأساسيين فى مسلسل «أهل الهوى» نحو 30 عاماً لكل منهما.. أول مبادئ الدراما هى أن يصدق الجمهور ما يراه أمامه، ولهذا أعتقد جازماً أن المسلسل قد خسر ضربة البداية، ومع الأسف الشديد فإن هذا المسلسل كتبه «محفوظ عبدالرحمن» الذى أعلم جيداً مدى إخلاصه فى رصده الدرامى للحياة فى مصر وأتابع شغفه ودأبه فى التقاط التفاصيل فهو لا يُقدم فى أعماله الدرامية حدوتة، ولكن زمنا وحياة وإيقاعا ورائحة.. مثلاً مسلسل «بوابة الحلوانى» واحد من رصيدنا الثقافى الذى جمع بين «محفوظ» والمخرج الراحل «إبراهيم الصحن» فى مطلع التسعينيات.. ترى فيه كل ذلك لأن نبض الزمن ينضح فى أعماله وهو الذى منح مسلسل «أم كلثوم» الذى صاغه بأستاذية كل هذا الوهج والعمق وأخرجته «إنعام محمد على» بتفهم وإبداع فصار وكأنه الواقع الذى نعود إليه كلما اشتقنا لعصر «أم كلثوم».
صحيح أنك لا يجوز أن تتناول عملاً فنياً قبل أن تراه على الشاشة، ولكننا هنا لا نتحدث عن ممثل خاصمت ملامحه الشكلية الشخصية الدرامية، ولكننا نتوقف أمام منطق لا يحتمل تعدد وجهات النظر ولا يخضع لقراءة نسبية تختلف من شخص إلى آخر.
أعلم أن «فاروق الفيشاوى» فى السنوات الأخيرة فقد الكثير من حضوره.. كما أنه لم يعد يخلص فى أدواره فصار دائماً فى مركز البديل الثانى أو الثالث تراه يقف على الخط ينتظر اعتذار نجم أو أكثر ليقفز هو ويقتنص الدور، وهذا هو ما حدث فى مسلسل «أهل الهوى» حيث كان هو المرشح الثالث لدور «بيرم» إلا أن هذا لا يمكن أن يصبح مبرراً أبداً لكى يقبل أن يلعب دور شاب فى الرابعة والعشرين من عمره، كما أن «إيمان» خارج أجندة المخرجين حالياً وهو يبدو أنه يعتقد أن من حقه أن يحتكر أدوار جده الذى صار الآن «إيمان» يكبره فى العمر بنحو ربع قرن، وبالطبع لولا أن قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى الرسمى هو الذى ينتج هذا المسلسل ما كان من الممكن أن يحدث هذا العبث، حيث إن القطاع الخاص لا يسمح بأن يجازف بارتكاب هذا الخطأ الفادح الفاضح، فهو بالطبع حريص على استرداد أمواله، ولكنه مع الأسف مال الدولة الذى صار مستباحاً مع الأسف «أهل الهوى» عمل فنى أتلفه الهوى!
هل لايزال صديقى «محمد عبدالقدوس» يعتقد أن هذا هو دور عمر «فاروق» أم أنه سيصبح صفعة العمر؟!