
طارق الشناوي
الإعلام يمهد لمقص محلب!!
هل لديكم شك أن هناك أكثر من مجلس ومنظمة وهيئة ومؤسسة تدفع رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب لإشهار المقص فى وجه العديد من الأعمال الرمضانية بحجة الحفاظ على أمن المجتمع؟
وهل لديكم شك أنه لو حدث ذلك فإن من سيدفع الثمن هو الحرية، التى انتزعناها بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو؟ صحيح أن الغطاء الذى ستصدره الدولة للمواطنين هو حماية المجتمع ولكن ستصبح الحرية من بعدها مستباحة.
بات واضحا أن هناك تمهيدًا بناء على طلب المشاهدين، لتدخل السلطة التنفيذية لتنقية ما تعرضه الفضائيات المصرية من برامج ومسلسلات، الدولة فعلتها قبل أشهر قليلة، ووجد هذا الأمر ترحيبا من الرأى العام بعد مصادرة فيلم «حلاوة روح» وإيقاف التصريح بعرض فيلم «نوح»، الغريب أن عددا من الفنانين والمثقفين كانوا فى طليعة من باركوا هذه الخطوات.
ليس مستبعدا الآن أن يمتد الأمر من الشاشة الكبيرة إلى الصغيرة وسط ترحيب من الرأى العام يرى أن هذا هو دور الدولة، لتصبح هى الحارس الأمين المنوط به تنقية ما تبثه الفضائيات ويصفه البعض بالخلاعة، وفى أحسن الأحوال بالدلاعة.
تليفزيون الدولة الرسمى مؤخرا مارس دوره الرقابى وحذف بعض جمل حوار ولقطات من حلقات فى مسلسل «سجن النساء» رغم أنها كانت تعرض فى نفس الوقت كاملة وبدون حذف فى الفضائيات المجاورة، فهل المنع صار مجديا؟ مع الأخذ فى الاعتبار أن الإعلام الرسمى تضاءلت كثيرا كثافة مشاهدته فى السنوات الأخيرة.
الدولة تملك توجيه التليفزيون الحكومى وحذف ما تراه، ومن الممكن أن تملى إرادتها أيضا على جزء من القطاع الخاص الفضائى، ولكنها من المؤكد لن تستطيع فرض سيطرتها على كل القناوات العربية، من المعروف مثلا أن الأزهر لم يرحب قبل عامين بعرض مسلسل «عمر» لأنه لا يقر بتجسيد الخلفاء الراشدين على الشاشة، بينما المسلسل شاهده الملايين على قناة «إم بى سى» العربية وفى الأعوام القليلة الماضية شاهدنا مسلسلات «يوسف الصديق»، و«الحسن والحسين ومعاوية» و«مريم» غيرها، وكلها يرفضها الأزهر.
نعم لاحظنا أن هناك مفردات عديدة تسللت واستقرت فى الأعمال الفنية وتُقدم ضمن السياق الدرامى باعتبارها طقسا اعتياديا فى التعامل اليومى، زادت أيضا مساحة المشاهد التى كنا فى الماضى نصفها بالجرأة، تجاوزت الآن هذا التوصيف، وبالعدوى انتشرت وهى فى الحقيقة ليست وليدة هذا العام، لو عدت أربع سنوات للخلف دُر لاكتشفت أنها منذ ذلك الحين صارت مستقرة على الشاشة.
المجتمع بتكوينه مهيأ لكى يرحب بفرض رقابة على تلك المشاهد وعدد من الهيئات والمنظمات الاجتماعية أعلنت بوضوح اعتراضها بل استهجانها لما يُقدم على الشاشة فى رمضان، هل التدخل الرقابى هو الحل؟، علينا أن نثق بأن ذائقة الناس قادرة على الانتقاء، هناك عشرات من الأعمال الفنية ومئات من القناوات إذا أغلقت واحدة أو سيطرت الدولة على خمسة أو عشرة فما الذى سوف تفعله وحولها مئات تعرض نفس العمل الفنى. زمن المنع الحصرى انتهى وصرنا فى زمن «الريموت كونترول» الذى يعنى حرية المشاهد فى التنقل بين القناوت المختلفة فهو الذى يحدد ما الذى يريده، فى العام الماضى ولأول مرة على الشاشات العربية قرأنا تحذير فوق 18 سنة يتصدر مسلسل «موجة حارة» بطولة إياد نصار، حيث تخلل المسلسل مشاهد تعاطى مخدرات وتعذيب، وفى نفس الوقت كان صناع المسلسل حريصين على أن يمنحوا المشاهد حقه القانونى فى التحذير.
عندما صادرت الدولة قبل ثلاثة أشهر فيلم «حلاوة روح» بطولة هيفاء وهبى بحجة تواجد مشاهد جنسية، فى المقابل وعلى أرض الواقع زادت معدلات مشاهدة الفيلم عبر «اليوتيوب» فاقت كل التوقعات، رغم أن الفيلم عند عرضه تجاريا لم يصمد أكثر من أسبوع وتهاوت إيراداته تماما وقتها، علينا أن نثق أكثر فى قدرة المشاهد على الاختيار ولا نسارع بحس الدولة على التدخل الرقابى فنؤدى إلى ذيوع وانتشار ما أردنا منعه، المصادرة صارت مع الزمن سلاحًا «فشنك»، مقص محلب مكانه الوحيد الآن هو فقط المتحف!!