
طارق الشناوي
موسم الشتائم المجانية فى رمضان!
ربما تعتبرها نكتة أو «تشنيعة»، ولكن أغلب العاملين فى الوسط الفنى يؤكدون أنها حقيقة، وهى أن عددا من الفنانات يتم التعاقد معهن فى مسلسلات وبرامج رمضان وضمن شروط الاتفاق هى أن يطعمن الحوار بأكبر قسط من الشتائم، وإذا أردن زيادة الأجر فإن الطريق مفروش أمام كل من تستطيع توجيه الألفاظ النابية، سوف تسأل: لماذا قلت فنانات ولم أقل فنانين؟ لأن الفنانة عندما تتفوه بلفظ خارج يُصبح الثمن أكبر، بينما يقل ربما للنصف وأكثر عندما يتفوه به رجل!
هل صارت الفضائيات هى المصدر الأول لحالة الانفلات اللفظى التى بات عليها الشارع فى العديد من ممارساته بسبب ما تبثه خاصة المسلسلات الرمضانية من ألفاظ لم تتعود عليها الأذن العربية فأصبحت مستأنسة ومتداولة، بل مستحسنة عند البعض.. هل نحمل الدراما والمنوعات الرمضانية تبعات المسئولية كاملة؟!
لا نستطيع أن ننكر أن الكثير من العادات تنتقل إلينا عبر الشاشة إلا أننا فى نفس الوقت لا يمكن أن نستسلم إلى ذلك ونضع محاذير على كل ما يبث إعلامياً خوفاً من انتقاله إلى البيت.. قبل نحو عشرين عاماً أخرج «أوليفر ستون» فيلمه «ولدوا ليقتلوا» ينتقد فيه وسائل الإعلام وكيف أنها صدرت العنف للمجتمع فبات أكثر دموية، ولكن ليست هذه هى كل الأسباب.
العلاقة كانت ولا تزال تبادلية بين الشارع والشاشة تنقل السينما والتليفزيون ما يجرى فى الشارع ثم تصدره للناس، وعلى هذا فإن كلمات كثيرة تسللت إلى البيوت عن طريق المسلسلات فى رمضان وغيره.
الحقيقة أنها لم تعد مقصورة على الدراما فقط، ولكنها صارت تستخدم على نطاق واسع فى لغة الصحافة، بل فى الأغانى والشعر وعبر رسائل «النت» حتى إن المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة يتابعان ما يجرى عبر الفضائيات من انفلات لفظى فى العديد من المسلسلات وبصدد إعداد تقرير يتناول تلك الظاهرة.
فى العالم تتوالد كلمات جديدة وتتغير الأطر الدلالية لبعض الكلمات من حقبة زمنية إلى أخرى، ويجب علينا أن نذكر أن الكلمة قبل أن يتم تداولها لا تأخذ ضوءاً أخضر ولا تصريحاً رسمياً من مجمع اللغة العربية، ولكنها تنتزع حضورها عنوة فى الحياة، وكل زمن يطرح مفرداته، ولو تابعت لغة التخاطب عبر النت ستكتشف أن ما تسمعه فى المسلسلات هو كلمات مهذبة جداً بالقياس لما هو متداول بكثافة الآن فى العالم الافتراضى من خلال الفيسبوك وتويتر!
من البديهى أن تتسلل هذه الكلمات أيضاً إلى الشاشة. هناك ولا شك من يسعى إلى الإسراف فى استخدام هذه الكلمات التى صارت مثل مزاد علنى، كل يريد زيادة الجرعة لكى يرسو عليه العطاء الجماهيرى فيتابعه الناس، ولكن القاعدة الراسخة هى أنه لا ينجح عمل فنى لأن به بذاءات أو لأن البعض يعتقد أن هذه جرأة.
لا نستطيع أن نعزل الشاشة عما نراه فى الشارع ولا أن ننكر أن الدراما أيضاً أثرت فى لغة الشارع.. فما نراه على الشاشة أحد مظاهر ما تبثه الشاشة إنهما وجهان لعملة واحدة وكما أننا نرفض الدراما المعقمة التى تتجنب عامدة متعمدة خشونة الحياة، فإننا لا ندعو على المقابل للدراما التى تنزع ورقة التوت، لا أريد أن يلجأ المجتمع إلى الدولة لكى تُنقذه من الفضاء المفتوح، فلم تعد أى دولة فى العالم قادرة على إغلاق النوافذ، ولكن العصمة بيدك أنت عزيزى المشاهد، أنت الذى تختار شاهرا سلاح الريموت كونترول!