الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«جودار» وتاريخ انتهاء الصلاحية!!

«جودار» وتاريخ انتهاء الصلاحية!!


 
لا يوجد فى الفن تاريخ لانتهاء الصلاحية، وهكذا مثلا أطل علينا من مهرجان «كان» بفيلمه «وداعا للغة» الأيقونة الفرنسية جان لوك جودار 84 عاما، إلا أنه بالقياس إلى المخرج البرتغالى مانويل أوليفييرا 106 أعوام الذى من الممكن أن ينجبه ولكنه لا يزال كل عامين يُطل علينا بفيلم سينمائى، يعتبر جودار بجوار أوليفييرا مجرد شاب يافع يحاول أن يثبت نفسه فى دنيا الفن السابع.
 
ما يثيره جودار وقبله بالطبع أوليفييرا يتجاوز الفيلم إلى سؤال، هل هناك عمر افتراضى للموهبة.. تزهر.. تنضج.. تذبل.. ثم تموت وهو لا يزال على قيد الحياة؟ نعم كما أن الإنسان له عمر فإن للموهبة فترة بقاء. تتدخل عوامل كثيرة فى زيادة مساحات زمن العطاء أو فى تقليص هذا الزمن، إلا أن قانون الطبيعة له دائماً قوة لا يستطيع أحد أن يتحداه أو يتجاوزه، لكن التحايل عليه ممكن والاستثناء الذى يؤكد القاعدة أيضاً ممكن!
 
كان الراحل صلاح طاهر 96 عاماً يتنفس فقط حتى أيامه الأخيرة أمام لوحاته فكان يذهب يومياً إلى مرسمه وظلت لريشته ومضاته الخاصة المميزة، الأديب الكبير نجيب محفوظ 91 عاما ظل يكتب أحلامه فى إبداعات أدبية حتى رحيله، الموسيقار محمد عبدالوهاب 91 عاماً ظل ممسكاً بالعود لم يتوقف أبدا عن مطاردة الإلهام فلقد كان يحتفظ بالكثير من الجمل اللحنية التى سجلها على العود، ولديه أكثر من أغنية وقصيدة وقطع موسيقية خالصة كان يدندن بها قبل أن يودع الحياة، نجيب محفوظ 95 عاماً عندما عجز عن أن يمسك بالقلم وضعف النظر وتضاءلت قدراته السمعية، استجار بالأحلام فأحالها إلى إبداع وظل حتى لحظاته الأخيرة متمتعاً بخفة ظله وقفشاته.. أمينة رزق 88 عاماً وهى فى المستشفى طلبت من المخرج حتى لا يتعطل تنفيذ المسلسل الأخير لها، أن تصور مشاهدها مع تعديل مكان التصوير من البيت للمستشفى لتؤدى دور مريضة وترحل بالفعل قبل نهاية المسلسل فيضيف المخرج مشهدا لرحيلها، عبد الوارث عسر 87 عاماً لم يعتزل التمثيل  ورحل أثناء تعاقده على فيلم جديد.
 
 استمرار الفنان مرهونا بقدرته على التجدد مع الزمن وأن يهضم الحياة لكى يظل مستقبلاً لكل نبض مختلف أو تغير فى السلوك أو الذوق أو مدلولات وظلال الكلمات، ليس معنى ذلك أن يفقد شخصيته الإبداعية وهو يلاحق الإيقاع الجديد لكن عليه أن يدرك أن للزمن قانوناً آخر وهو ما يعنى أن النغمة التى يتوحد عليها الناس تتغير.. النغمة ليست فقط فى الموسيقى ولكن فى أداء الممثل نغمة.. فى الكلمة نغمة فى أسلوب الإخراج نغمة وهكذا.
 
قد تتراجع كفاءة أدوات الإنسان فى التعبير بحكم الزمن، مثلا صوت أم كلثوم تأثر سلباً منذ نهاية الستينيات وتحديداً بعد «الأطلال»، كانت هذه القصيدة التى رددتها عام 1966 هى أعلى قمة وصلت إليها مع الموسيقار رياض السنباطى والذى كان يرى أن على أم كلثوم أن تعلن اعتزالها الغناء بعد «الأطلال» وهو أيضاً كان سيعتزل التلحين، لكن لا أم كلثوم توقفت عن الغناء ولا السنباطى اعتزل التلحين، حيث لحن بعدها قصيدتين لأم كلثوم «من أجل عينيك عشقت الهوى» و«الثلاثية المقدسة»، وكان يعد لها قصيدة «انتظار» والتى غنتها سعاد محمد بعد رحيل أم كلثوم.
 
نعم الإبداع يتأثر سلباً مع مرور السنوات الذى لم ولن يفلت منه إنسان على مدى التاريخ، ولكن على الفنان أن يرقص إبداعيا على إيقاع الزمن.
 
لم يعجبنى فيلم جودار الأخير «وداعا للغة» برغم التصفيق غير المسبوق الذى حظى به فى قاعة «لوميير» بعد نهاية العرض، وحصوله على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ولكنى مبهور بإصراره على البقاء فى الدائرة الفنية حتى نهاية العمر!