
د. مني حلمي
الميكروفونات فى الصلاة من ميراث الإرهاب الدينى.. لماذا لا تحظر؟!
كتبت كثيرا عن أن استخدام مكبرات الصوت فى المساجد والزوايا والجوامع فى رفع الأذان، وفى أثناء الصلاة لا يفعل شيئا إلا «تكبير» تخلفنا و«تصغير» قامتنا فى الرقى الحضارى. طالبت عدة مرات على مدى سنوات بأن تنطلق حملة قومية ضد استخدام مكبرات الصوت فى الصلاة، ولم يستجب المسئولون عن الصحة وعن البيئة حتى الذين يتشدقون ليل نهار بأن علينا تصحيح صورة الإسلام وترشيد سلوك الأمة الإسلامية، سكتوا.
كتبت عن أضرار الضوضاء أو التلوث السمعى الذى أصبح معلما من معالم الوطن، أينما ذهبت، شمالا، وشرقا، وغربا وجنوبا.. فى المدن، وفى القرى، كل إمام، كل شيخ، كل خطيب يصلى بالناس فى الجوامع وفى المساجد وفى الزوايا بمكبر الصوت فى آن واحد، لنا أن نتصور كم الضجة المنبثقة من آلاف الأئمة والخطباء والشيوخ، ضوضاء من دون حياء تقتحم حرمة المسكن وسلامة الأذن، وخصوصية الوقت باسم الصلاة. ما الذى سيحدث إذا أقيمت الصلاة من دون ميكروفونات؟! هل ستكون باطلة لو لم يصاحبها مكبر الصوت الذى يزعج الناس ويعكنن عليهم ويصيبهم بالتوتر العصبى والخلل السمعى؟! إنه نوع بشع من الإرهاب الدينى، الذى يقترف تحت اسم الصلاة وذكر الله، وأصبح شيئا قبيحا اعتدنا عليه خاضعين، وكأنه من مكملات الصلاة. إن استخدام مكبرات الصوت لإقامة الصلاة من إرث السبعينيات من القرن العشرين، حينما فتحت الأبواب لظاهرة التأسلم وتيارات الإسلام السياسى على اختلاف أطيافها، كان ميكروفون الصلاة ضمانا لأن ينتشر الإرهاب الدينى والتطرف الدينى والتعصب الدينى إلى كل شبر فى الوطن.. بمعنى آخر يقوم الميكروفون بخدمة توصيل الإرهاب الدينى إلى المنازل مجانا. لعبت مكبرات الصوت فى الصلاة دورا أساسيا فى تمهيد التربية لأشد التفسيرات الإسلامية تخلفا ومرضا وتزمتا، أتذكر جيدا أننى كنت أسمع خطب الجمعة التى تهين النساء وتمدح دولة الخلافة الإسلامية وضرورة أسلمة كوكب الأرض والتحريض على العنف وإشعال الفتن الطائفية. إن الإرهاب الدينى ليس فقط سفك الدماء والاغتيالات وممارسة العنف الجسدى، الإرهاب يمتد ليشمل كل أنواع التسلط والعنف المنظم الذى يؤذى البشر المسالمين فى عقولهم أو فى أجسادهم أو فى معنوياتهم، يتكفل الميكروفون بالإرهاب المعنوى العقلى الفكرى الذى يسفك الخصوصية، ويقتل حق البشر فى بيئة هادئة، ويئد قدراتهم العقلية على التركيز والتفكير والإبداع ويصيبهم بالتوتر والأرق وخلل فى وظائف الأذن.. أعرف بعض المسلمين الذين يخرجون من بيوتهم إلى الشوارع وقت صلاة الجمعة لاستحالة احتمالهم الضوضاء المنبعثة من عشرات الميكروفونات فى وقت واحد، وأعرف شخصيات من النساء والرجال غيروا كل نمط حياتهم فى الاستيقاظ والعمل وتناول الطعام والنوم بشكل لا يتعرضون فيه إلا إلى الحد الأدنى من ضوضاء ميكروفونات المساجد والزوايا التى تحاصر بيتهم وحجبت عنه الشمس والهواء ومنظر الخلاء الواسع، وأعرف بعض الذين تمنعهم ضجة الميكروفونات والتى قد تظل تزعق بالساعات دون رقابة ودون رادع أخلاقى من الاستمتاع بالجلوس فى شرفة منزلهم، أنا شخصيا أستخدم سدادات الأذن حتى تنتهى شعائر الصلاة يوم الجمعة، وقد ابتليت بمسجد قريب من بيتى يستخدم الميكروفون فى إعطاء الدروس الدينية كل ثلاثاء، منذ خمسة وعشرين عاما متصلة. يقولون إن إثارة مسألة ميكروفونات الجوامع والمساجد والزوايا، مسألة «تافهة» وعلينا البداية بحل المشكلات العويصة.. أولا، عند انتهاك حقوق الإنسان لا توجد مشكلات تافهة ومشكلات مهمة، ثانيا إذا كانت ضوضاء الميكروفونات مشكلة تافهة، فلماذا إذن فشلنا فى القضاء عليها ما دامت هى «تافهة»؟! ثالثا هل يمكن أن ننجح فى المشكلة «العويصة» ونحن قد فشلنا فى المشكلة «التافهة»؟! إن التسيب فى المواجهة المباشرة الحازمة لظاهرة الميكروفونات هو جزء أساسى من التسيب فى المواجهة المباشرة الحازمة للإرهاب الدينى الذى يقتلنا كل يوم. إن الفشل فى استئصال استخدام الميكروفون لتأدية الصلاة، لهو امتداد للفشل فى استئصال استخدام الدين، فى السياسة والدولة، هل هناك فشل أكثر من أننا نستيقظ يوميا على تفجيرات وتخريب واغتيالات وقتل ورفع أعلام القاعدة دون معاقبة الجناة بعقوبات فورية رادعة؟! بل إن هناك مع مسلسل الدم اليومى من يطالب بإجراء «مصالحة»!! إن «الميكروفون» فى الصلاة يصبح بالتالى رمزا سياسيا وثقافيا فى المقام الأول.. وليس مجرد رمز دينى، تماما مثل الحجاب والنقاب. وفى الوقت نفسه يعبر عن أيد مرتعشة ونفوس خائفة وعقول متأرجحة فى التعامل مع تيارات الإسلام السياسى. نحن فى حرب الآن مع الإرهاب الدينى، ولذلك هى فرصة ذهبية قد لا تتكرر للتخلص من ذيول وبقايا وميراث مظاهر التأسلم فى كل مناحى الحياة، ومنها بلا شك الميكروفونات أثناء الصلاة.