
طارق الشناوي
لغز عيد ميلاد «عبدالوهاب»!
الخميس الماضى احتفلنا بعيد ميلاد الموسيقار الكبير «محمد عبدالوهاب» كل المراجع العلمية تذكر أن يوم 13 مارس هو يوم ميلاد موسيقار الأجيال ولكن أى عام؟! هذا هو السؤال الذى كان يتهرب عبدالوهاب من الإجابة القاطعة والصحيحة عليه بل إنه ترك أكثر من وثيقة تضاربت فيها الأعوام مثلاً لو راجعت أوراق جمعية المؤلفين والملحنين لاكتشفت أنه مواليد 1910 ولو عدت إلى رسالة دكتوراه قدمتها «د. صيانات حمدى» عنه ستجد أنه ذكر لها أنه مواليد 1914بينما كان لديه جواز سفر يشير إلى أنه من مواليد 1908وكان الموسيقار الكبير «محمد القصبجى» يقول إنه أكبر من عبد الوهاب بـ 5 سنوات فقط أى أنه طبقاً لشهادة «القصبجى» مواليد 1898 إلا أن بمراجعة كل الملابسات التاريخية ومقارنتها بأغنيات وألحان «عبدالوهاب» يصبح الموعد الأقرب للمنطق والصحة هو 1901 أى أننا أطفأنا 113 شمعة لميلاد بلبل مصر ومطرب الأمراء والملوك والدكتور واللواء وموسيقار الجيل والجيلين ثم الأجيال «محمد عبدالوهاب» وجميع الألقاب السابقة كانت من نصيب «عبدالوهاب» على مدى حياته المديدة حيث كان يعيش بيننا حتى تجاوز التسعين من عمره.
لا يريد الإنسان أن يعترف بأنه ضاع من عمره الكثير فيحاول أن يقلل من فداحة الخسارة وليس «عبدالوهاب» وحده الذى كان يخشى من ذكر سنة ميلاده «أم كلثوم» أيضاً كانت كذلك.. وقبل ست سنوات كتب د.مصطفى الفقى «بورتريه» عن «أم كلثوم» أشار إلى أنه عندما استقبلها فى إحدى الدول الأوروبية عندما كان يعمل فى شبابه ملحق ثقافى فى إحدى السفارات المصرية أظنها النمسا أو أسبانيا اكتشف أثناء إنهائه لإجراءات دخولها للمطار أنها فى الأوراق الرسمية أصغر على الأقل بحوالى عشر سنوات من عمرها الحقيقى، وقالت لى مرة رجاء الجداوى إنها فى كل مرة تعيد تجديد جواز سفر خالتها «تحية كاريوكا» وتكتشف أن تاريخ ميلاد «تحية» تختصر منه سنوات حتى أنها فى آخر جواز سفر لها كان عمرها المدون أصغر من رجاء الجداوى بعشر سنوات؟! لماذا يلجأ الفنان إلى التلاعب فى تاريخ ميلاده ربما هو الحرص على المعجبين حتى يظل صالحاً لكى يتعايش مع كل الأعمار أو ربما لأن السنوات التى تمضى لا تعود وهو لا يريد أن يعترف بأنه ضاع من عمره الكثير ولهذا يحاول أن يقلل بقدر المستطاع من فداحة الهزيمة وربما تجد تفسيراً لما قاله الشاعر الكبير «كامل الشناوى» أثناء الاحتفال بعيد ميلاده «عدت يا يوم مولدى، عدت يا أيها الشقى، الصبا ضاع من يدى، وغزى الشيب مفرقى، ليت يا يوم مولدى، كنت يوماً بلا غدى».. ورغم ذلك فإن حياة الإنسان العادى تقاس بالسنوات لكن حياة المبدعين الكبار أمثال «عبدالوهاب» تحسبها بما تركوه لنا من جمال فنى وكل عام وإبداع موسيقارنا الكبير بخير فلا نزال فى عيد ميلاده «113» نعيش على نبضات أنغامه!!