
طارق الشناوي
من غضب «بحب السيما» إلى مباركة «لمؤاخذة»!!
موقفان متناقضان بينهما عشر سنوات فقط لا غير، الأول هو غضب معلن من الكنيسة المصرية موجه ضد فيلم «بحب السيما»، والثانى ترحيب عالى الصوت من الكنيسة مؤيدا لفيلم «لمؤاخذة».
أن تكون إيجابيا تلك هى الرسالة التى أرادها هذا الفيلم.. أن تكون نفسك أولا وليس الآخرين.. هذا هو مفتاح الفيلم وشفرة قراءته، إلا أن فيلم ''«لمؤاخذة» يظل استثناء فى مشوارنا الفنى مع الأفلام التى تتناول جراحنا الطائفية.
إليكم هذه الواقعة التى تبدو خارج السياق ولكن بقليل من التأمل فأنا أجدها زاوية رؤية صحيحة للوصول إلى عمق الحالة، دخلت إلى محل أبو أمجد بائع البيض تناهى إلى سمعى صوت فى التليفزيون كان لأستاذ فى علم اللاهوت على إحدى الفضائيات المسيحية يتناول بهدوء وعقلانية ورزانة الإنسان، وكيف أن عليه التطهر من ذنوبه.. مشيرا إلى أن الله تواب غفور.. لاحظ الرجل استغراقى فى المتابعة فقال لى لموأخذة يا أستاذ، سألته على إيه؟ أجابنى لأنه يتابع محطة متخصصة فى الشأن المسيحى.. قلت له وما الفارق أنها نفس الكلمات التى نسمعها فى العديد من البرامج الدينية الإسلامية مع اختلاف فى الزى فقط، أين تكمن إذن المؤاخذة.
هذا هو فيلم عمرو سلامة الذى يقترب من تلك الحساسية المفرطة التى نطلق عليها «لمؤاخذة»، يتناول طالبًا فى المدرسة كل زملائه مسلمون، وصار يخشى أن يبوح بديانته والأستاذ فى أول حصة بعد أن نادى على أسماء الطلبة قال «الحمد لله كلنا مسلمون» لأن اسمه «هانى عبد الله» يحتمل الديانتين، فألجمه تماما فى الإفصاح عن ديانته.
تذكرت قبل نحو عامين أننى قرأت كتابا للزميل فيليب فكرى يشى من عنوانه «يوميات قبطى ساخر» بتلك النظارة التى نتبادلها أحيانا المسيحى يطل بها على المسلم، والمسلم يُطل بها على المسيحى، روى فيليب فى كتابه الممتع جانبا من هذا.
الرقابة المصرية لاقت السيناريو فى البداية بقدر من التعنت إلا أنها فى نهاية المطاف وافقت، وهو دائما ما يتكرر فى الأعمال الفنية المشابهة، مثلا قبل نحو عشر سنوات رفضت الرقابة فى البداية سيناريو «فيلم هندى» الذى كتبه هانى فوزى وأخرجه منير راضى واشترطت العديد من المحاذير فى التناول الدرامى، كان أغربها هو الاعتراض على اسم بطل الفيلم صمويل، لم ترتح أذن الرقيب إلى هذا الاسم، والغريب أنه بالفعل أصبح عاطف، «فيلم هندى» لم يحقق أى قدر من النجاح الفنى أو الجماهيرى، ولكن ما تبقى هو الملابسات التى صاحبت التصريح بالسيناريو ثم التنفيذ، 90٪ من النجوم الشباب تحفظوا على أداء شخصية قبطى، لم تكن هناك مشكلة فى من يؤدى دور الصديق المسلم، الفيلم كان مرشحا له فى البداية محمد هنيدى وعلاء ولى الدين وبعد اعتذارهما تتابعت التراجعات كل النجوم فى ذلك الوقت السقا وكريم وعز وعيد وحلمى وسعد حتى أن راضى فكر أن يكتب فى التترات شكرا لهؤلاء المعتذرين بغرض كشفهم أمام الرأى العام، ولم يقبل الدورين سوى أحمد آدم وصلاح عبدالله، ولم يصدق أحد أنهما يؤديان دور شابين فى مقتبل العمر وخسر «فيلم هندى» ضربة البداية.
هل نحن تحررنا من تلك المؤاخذه التى ترافقت مع الفيلم أم أن حالة الخوف من الإفصاح عن الهوية الدينية لاتزال كامنة فى الصدور، الجمهور لا تعنيه ديانة الممثل فهو يحب أو يكره بعيدا عن خانة الديانة، ولكن بعض الفنانين قد يتحرج من أداء دور مسيحى إلا أنها ليست قاعدة، مثلا لم تتردد سميحة أيوب فى أداء دور «روز» فى مسلسل «أوان الورد» لوحيد حامد وسمير سيف، ولكننا لو راجعنا الملابسات التى صاحبت التنفيذ والعرض وكم عشنا من حساسيات حتى أن التليفزيون كان وإلى عهد قريب يتحرج فى إعادة عرض المسلسل، الدولة لاتزال تتحسب وتنفخ فى الزبادى فهى مثلا لم توافق بعد مرور ثلاث سنوات على عرض فيلم يتناول علاقة مسلم بمسيحية وهو «الخروج من القاهرة» لأن الأمن القومى يتحفظ خشية من غضب محتمل.
الأمر برمته هل يخضع فقط إلى فنان مغامر، أم إلى مجتمع يقبل ذلك ولديه رحابة فكرية، لا أقول هذا التعبير الفج قبول الآخر، لأنه يذكرنى بأغنية بديع خيرى وسيد درويش «أنا المصرى كريم العنصرين» فهى فى واقع الأمر تُقر بالعنصرية فى حين أنها تدعى مواجهتها، مثلما تقول بعنصرية مفرطة تعبير الآخر ولو نظرت للمرآة تكتشف أنك أنت أيضا الآخر.
لم تنجح الأفلام التى تناولت تلك العلاقة جماهيريا مثل «بحب السيما» لأسامة فوزى، نعم الجمهور لعب دورا سلبيا فلم يُقبل على الفيلم، وكانت هناك مظاهرات غاضبة فى الكنيسة الأرثوذكسية، ورغم ذلك فلقد كان خطوة هامة على الطريق، ومر قرابة 10 سنوات وجاءت الخطوة الثانية «لمؤاخذة» بغضب من المؤكد أقل وترحيب جماهيرى أكبر!!