
طارق الشناوي
المـسيـح فــى الإنجيـل والمـسيح فـى القـرآن
هل تستطيع الدولة أن تعرض فيلم «ابن الله» الذى بدأ عرضه فى العديد من الدول الأوروبية، أتصور أن هذه المرة العرض سيتم بدون مشكلات رقابية.
قبل عشر سنوات سمحت الدولة بعرض فيلم «آلام المسيح» بعد أن تحمل المسئولية وقتها د.جابر عصفور باعتباره أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة لأن قوانين الرقابة تمنع تجسيد الأنبياء ولا تزال إلا أن الدولة تمتعت وقتها ببعض الشجاعة وعرضت الفيلم الذى أخرجه ميل جيبسون، وحقق الفيلم فى مصر إيرادات مرتفعة وكان عدد المحجبات فى دور العرض يفوق غير المحجبات، لكن الدولة على الجانب الآخر لم تستطع عرض فيلم «المسيح فى عيون المسلمين» الذى أنتجته محطة بى بى سى البريطانية وهو نفس ما واجه فيلم «شفرة دافنشى» تحسبا تلك المرة من غضب محتمل للكنيسة القبطية.
والمسيح فى القرآن له مكانة وقدسية لكنه بالتأكيد ليس هو المسيح فى الإنجيل بل إن المسيح عند الأرثوذكس ليس هو المسيح عند الكاثوليك.. الأرثوذكس يؤمنون بأن له طبيعة واحدة فهو ابن الله.. أما عند الكاثوليك والبروتستانت له طبيعتان ابن الله وابن الإنسان.. ورغم ذلك فإن فيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون تناول المسيح كما هو عند الكاثوليك ابن الله وابن الإنسان ولم تغضب الكنيسة الأرثوذكسية التى تمثل فى مصر الأغلبية.. وفى نفس الوقت جاء عرض الفيلم ضد قانون الرقابة الصارم الذى يمنع تجسيد الأنبياء - كل الأنبياء - طبقاً لقانون الرقابة وليس فقط سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لأن الرقابة استندت إلى الأزهر الذى يضع خطاً أحمر أمام تجسيد صورة الأنبياء ولهذا منذ مطلع الستينيات لم يعرض أى فيلم سينمائى أجنبى عن حياة المسيح إلا فقط عام 2004 لو طبقت القواعد الدينية الإسلامية على فيلم «آلام المسيح» فإنه بالطبع سوف يرفض من منظور إسلامى لأنه يتعارض مع المسيح القرآنى والذى تقول الآيات صراحة إنه لم يقتل ولم يصلب وأنه ليس ابن الله.. ورغم ذلك فإن الدولة امتلكت الشجاعة الأدبية والفكرية وعرضت الفيلم كاملاً وكان إقبال المسلمين والمحجبات على مشاهدة الفيلم أكبر دليل على أن الفيلم لم يصطدم بمشاعر المسلمين برغم أنه تعارض مع عقيدتهم وبرغم ذلك شاهدنا الدموع تنهمر من كل العيون لم تفرق بين مسلم ومسيحى.. فيلم «آلام المسيح» لم يباعد بين المسلمين والأقباط بل إننى أعتقد أنه لعب دوراً إيجابياً فى العزف على الوتر الدينى لدى المسلمين والأقباط.. القرآن الكريم من يؤمن به يؤمن بكل الأنبياء والرسل الذين سبقوا سيدنا محمد هذه هى النقطة الإيمانية التى ينبغى أن يتفق عليها الجميع.. هل ننسى تدافع المسلمين إلى مولد السيدة العذراء بأعداد تتفوق على الأقباط لأن العذراء لها مكانة خاصة فى الإسلام فهى مفضلة فى نص القرآن على النساء جميعاً رغم أن العذراء عند المسلمين ليست هى العذراء عند المسيحيين ولكن ما يجمع بينهما هو التبجيل والتقديس.. الإنجيل وهذا منطقى لم يعترف بالقرآن ولا بمحمد عليه الصلاة والسلام لأنه تاريخياً أسبق منه بخمسة قرون.. كما أن اليهودية فى التوراة لم تعترف أصلاً بسيدنا عيسى عليه السلام ولا يزال اليهود فى عقيدتهم ينتظرون المسيح عليه السلام؟!
هذه هى طبيعة التاريخ ومنطقه أيضاً ولكن الإسلام لأنه جاء بعد اليهودية والمسيحية فهو يعترف بهما.. يجب أن نتحلى بالقدرة على السماح ونكرر بعد عشر سنوات من عرض «آلام المسيح» عرض فيلم «ابن الله»؟!