
طارق الشناوي
«لامؤاخذة» فيلم يقفز فوق سور الطائفية!!
تتحسب دائما الدراما المصرية عندما تتعرض لتلك العلاقة الشائكة بين المسلمين والأقباط، فهى تتحرك على طريقة أغنية صباح الشهيرة «بين الأهلى والزمالك محتارة والله»، وتنتهى إلى أن «الاثنين حلوين الاثنين هايلين»، وكأننا داخل مدرسة لا ترضى سوى بالالتزام الحرفى بالتعليمات، مؤخرا فيلم «لامؤاخذة» قفز فوق سور المدرسة.
البطولة فى الفيلم الذى كتبه وأخرجه عمرو سلامة لعائلة قبطية وأغلب الأحداث داخل المدرسة عندما يخشى الطالب المسيحى أن يفصح عن ديانته، وتنتهى الأحداث بعد أن تحرر البطل من الخوف.
لم يلجأ المخرج إلى تلك المعالجة الشهيرة والإطار الهندسى الصارم الذى يلجأ إليه الفنانون لعبور هذه القضية مثل فيلم «حسن ومرقص» الذى يعد مثالا صارخا لهذا القانون الشيخ يُقبل القسيس والمصحف يحتضن الصليب والجامع يصافح الكنيسة وتتقاسم الشخصيات على اختلاف ديانتها السلبيات والإيجابيات، هذه الحالة القاطعة تخاصم قانون الحياة ولكن نظرا لان هناك تدخلات من العديد من الأجهزة فى عمل الرقابة، الفنان يجد نفسه حائرا هل يغضب الأقباط أو يغضب المسلمين فيقرر أن يرضى الجميع دراميا.
مثلا تقدم عادل إمام قبل 6 سنوات للبابا شنودة بسيناريو فيلم «حسن ومرقص»، الذى وافق على التصوير بعد أن اشترط تغيير مهنة البطل من قسيس إلى أستاذ فى علم اللاهوت، وهكذا ضمن عادل بما لدى البابا من سلطة روحية على الأقباط فى مصر أن يحسنوا استقبال الفيلم، وهو ما حدث بالفعل، لأن تجاربنا الماضية كثيرا ما شهدت زيادة فى معدلات الغضب مثل فيلم «بحب السيما» الذى شاهدنا فيه عائلة قبطية تحتل فيه كل المساحة الدرامية.
هناك قطاع لا يمكن تجاهله من الأقباط لديه نفس هذه الحساسية تجاه تقديم الأقباط فى الدراما وهو ما يؤدى إلى تخوف الرقابة المصرية من التصريح بالشخصيات القبطية فى الأعمال الفنية.
تعودنا فى الدراما أن نضع أوراق «السوليفان» على الشخصية المسيحية وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب.. الإحساس العام الذى يسيطر غالباً على صناع العمل الفنى أن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق فى تفاصيلها.. كان يبدو وكأن هناك اتفاقًا ضمنيًا على ذلك بين صناع العمل الفنى والجمهور الجميع ارتاحوا إلى استبعاد الشخصية القبطية!!
المعالجات الفنية التى اقتربت من العائلة المصرية القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر برغم أنه لم يكن الهدف منها الحديث عن الديانة بقدر ما هو تناول عائلة مصرية مسلمة أو مسيحية!!
على سبيل التذكرة فقط فإن السنوات الأخيرة شهدت أكثر من غضبة عارمة بسبب أعمال فنية برغم أنها تعاملت بحساسية وهدوء مع العائلة القبطية فى مصر مثلاً مسلسل «أوان الورد» عرض قبل 31 عاما لعبت بطولته سميحة أيوب و يسرا.. مسلسل «بنت من شبرا» عرض بعده بنحو ثلاث سنوات بطولة «ليلى علوى» أثار الغضب لأن البطلة أشهرت إسلامها فيلم «واحد صفر» لكاملة أبو ذكرى أثار الاستياء نظراً لأن «إلهام شاهين» تلعب دور امرأة مسيحية تسعى للحصول على تصريح من الكنيسة بالزواج!!
الحقيقة هى أن المشاهد المصرى وأيضاً العربى تعود على رؤية الشخصيات المصرية فى الأغلب مسلمة وإذا قدمت شخصية قبطية فإنها غالباً إيجابية وعلى هامش الأحداث كما أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أى قدر من الانحراف طوال تاريخ الدراما.. ولهذا تنتقل الحساسية التى نراها فى الشارع إلى دار العرض وبدلاً من أن يشاهد الجمهور شريطاً سينمائياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها سوف يراها عائلة قبطية بل ويعتبرها البعض فى هذه الحالة تحمل إدانة شخصية وليست درامية!!
قيمة فيلم «لامؤاخذة» أن شخصياته تمردت على هذا التنميط القاتل وقفز فوق السور بخفة ظل ورشاقة لينجح بعيدا عن الحساسية وقيود الصندوق وأقبل عليه الجمهور بمسلميه وأقباطه ولم يسألوا عن تلك المعادلة الخائبة!!