
طارق الشناوي
«تــــورا بــــورا».. فى مهرجان الخليج!!
فى واحدة من المناقشات المسائية التى كانت هى الطابع المميز لمهرجان الخليج حيث تبدأ بعد منتصف الليل وتستمر على مدى يتجاوز الساعتين كان أغلب الحضور من كتاب السيناريو المخرجين والمصورين الشباب الذين يحلمون لكى يعبروا من شاطئ الهواية إلى دنيا الاحتراف حيث إن الناقد «مسعود أمر الله» مدير المهرجان حريص على أن تصبح هناك ورشة تضم هؤلاء الشباب ومن خلال ذلك تبدأ مرحلة تقييم الأفكار ووضع الأسس لبناء السيناريو وشارك فيها من مصر المخرج «محمد خان» ومن لبنان المخرج «ميشيل كمون» ومن البحرين الكاتب «فريد رمضان» وبالطبع كان المحور الرئيسى هو حالة الضعف الشديد فى السيناريو وهو ما يمكن أن ترصده ليس فقط على المستوى الخليجى بل العربى كله ويكفى أن نذكر للتدليل على أهمية هذا العنصر أنك مثلاً لو راجعت تاريخ جوائز الأوسكار لأفضل فيلم سوف تكتشف أنه فى 90٪ من الحالات كان أفضل فيلم هو أيضاً الفيلم الحاصل على أفضل سيناريو وهذا يؤكد المكانة الاستثنائية للسيناريو فهو ليس عنصراً مهماً فقط فى بناء الفيلم ولكنه الأهم.. ملحوظة: هذا العام حدث الاستثناء ولم يحصل فيلم الأوسكار «الفنان» على جائزة السيناريو ولكنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة.
وكان فيلم افتتاح المهرجان «تورا بورا» للكويتى «وليد العوضى» هو أحد الدلائل العملية على أن السيناريو يغتال الفكرة مهما بلغت أهميتها الفيلم يتناول الإرهاب المسلح الذى يقتل المدنيين بادعاء أن هذا هو شرع الله الفيلم تجرى أحداثه فى «بيشاور» على الحدود بين أفغانستان وباكستان وصولاً إلى جبال «تورا بورا» التى كانت معقلاً حصيناً لتنظيم القاعدة.
يستند المخرج الذى شارك فى كتابة السيناريو إلى واقعة حقيقية لا تتناول بلداً محدداً ولكنك تستطيع أن ترى فيه العديد من التنويعات المماثلة التى شاهدنا الكثير منها فى عالمنا العربى والإسلامى حيث يتم الخلط بين الدين ودعوته للجهاد فى سبيل الله وبين القتل والترويع الذى يطول المدنيين على اعتبار أنه أيضاً استشهاد فى سبيل الله بينما هو قتل للنفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق.
استعان المخرج بفنان ديكور عالمى هو «ماركو تورنتينى» وذلك من أجل الوصول إلى أعلى درجات الدقة التعبيرية فى العمل الفنى.
ولكن ظل الفيلم يتمحور فى إطار فكرى ضيق أدى إلى تقييد الفكرة لنجدها وقد خضعت لحالة من التنميط فى رسم الشخصيات.
الرهان الصعب هو كيف تصل الرسالة بمعناها المباشر إلى العالم وليس فقط إلى البلد الذى ينتمى إليه الأبطال.. هناك ولا شك مفهوم خاطئ طال الدين الإسلامى فى الغرب بسبب تلك النظرة التى يرى بها البعض الإسلام مرادفاً للإرهاب ولقد لعب مع الأسف عدد من الفضائيات دوراً فى نشر تلك الصورة الذهنية الخاطئة بكثرة المشاهد التى نرى فيها من يعد نفسه للشهادة وأمير الجماعة يؤكد بأن هذا هو الطريق للجنة.
السيناريو كانت تستهويه على الطريقة الهوليودية خلق ذروة درامية تواجه الأبطال حتى يضمن جذب الجمهور ولكنه أغفل الإحساس الإنسانى خاصة أننا بصدد عائلة ذهب ابنها الصغير إلى «تورا بورا» بعد أن تعرض لغسيل مخ بينما يبدأ الأب والأم رحلة البحث عنه وفى نفس الوقت فإن أخيه الكبير ذهب إلى هناك لإنقاذ كل أفراد الأسرة.. فى «تورا بورا» نرى مجرد رسم تخطيطى هندسى مباشر يحيله إلى شىء أقرب لبناء حجرى خال من المشاعر.. كل ما يقدمه المخرج مجرد لمحات سريعة عن الفندق الذى أقام فيه الأبوان وعن بيع الحشيش علناً فى «بيشاور» على الحدود بين باكستان وأفغانستان وعن المعارك القبلية فى أفغانستان ولا شىء أكثر من ذلك.
الفيلم يتهم القاعدة بأنهم ساهموا فى غسيل المخ للشباب العربى المسلم فى أنحاء العالم ليعتبروا أنفسهم فى مواجهة ضد الكفار الذين ينبغى سحقهم ولكن غابت الرؤية الدرامية والفكرية وتحول الأمر إلى مجرد تمضية حوالى ساعتين فى عمل فنى كان ينبغى اختصاره على أقل تقدير إلى النصف.. شاب أداء الممثلين قدراً كبيراً من النمطية فى التعبير مثل «سعد المفرح» و«أسمهان توفيق» و«ياسين الحاج» وبرغم أن هناك جهداً رائعاً فى الصورة وأيضاً فى التعبير الموسيقى لرعد خلف إلا أن المحصلة النهائية هى أننا بصدد عمل فنى يعوزه الكثير لكى يصل إلى الرسالة وهى فضح التطرف وتبرئة الإسلام فلا نجح فى هذه أو تلك وضاع فى جبال «تورا بورا» ورغم ذلك حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم فى مسابقة الأفلام الخليجية!!