
طارق الشناوي
السينما.. هل تتبرأ من ثورة 25 يناير؟
هل ثورة 25 يناير ستصنع لها وعنها أفلام ومسلسلات وأغانٍ قادمة، أم أن الأمر سيزداد ضبابية فى القادم من الأيام بعد أن ظهر صوت يؤجج مشاعر العداء بين ثورتى 25 و.30
فى البداية وجدنا اندفاعاً لصناعة أفلام عن الثورة وما أشبه الليلة بالبارحة، قبل أكثر من 60 عاما وفى أعقاب ثورة 23 يوليو شاهدنا إسماعيل يس سعيدا بعد أن تنبأ له العفريت بالثورة، وفى 25 يناير شاهدنا باسم سمرة على صهوة حصانه مشاركا فى واقعة «الجمل».
فى فيلم إسماعيل يس «عفريت عم عبده» كان المشهد مقحما والفيلم متواضعاً، وفى فيلم «بعد الموقعة» بطولة باسم سمرة للمخرج يسرى نصرالله كان الطرح الفكرى لما دأب الإعلام على أن يصفها بموقعة الجمل مهزوزا، الأفلام الروائية التى شاهدناها على مدى يقترب من ثلاث سنوات لم تشف غليلنا، تم تصوير بعضها قبل ثورة 25 يناير 2011 وأضيفت لها مشاهد بعد الثورة، ثم تغيير نهايات وأحيانا تسريب بدايات، من أجل خداع الجمهور قبل أن يكتشفوا أن «أحمد» هو «الحاج أحمد»!!
وهكذا مثلا استقبل مهرجان دولى بحجم «كان» فيلم «صرخة نملة» تأليف «طارق عبدالجليل» وإخراج «سامح عبدالعزيز».. الفيلم انتهى تصويره قبل ثورة 25 يناير كان اسمه فى البداية «الحقنا يا ريس»، حيث إنه يروج لهذا المبدأ المرتبط عادة بالحاكم المستبد والذى كانت الدولة ترحب دائماً به وهو أن الرئيس هو المحبوب وهو المنقذ، إنه صاحب القلب الكبير الذى ما أن يعلم بالفساد إلا ويتصدى فورا له وتغيرت النهاية فى الفيلم من اللجوء للرئيس لإنقاذهم إلى محاولة اغتياله، كان الهدف هو أن يتوحد الناس على الرئيس لأنه ينقذهم فى اللحظات الأخيرة، والحقيقة أن الإعلام كان يحرص على تصدير هذه الرسالة للناس حتى فى أبسط أشكالها، كان مبارك يتدخل فى التصريح بالأفلام التى لا تتناول شخصيته مباشرة ولكنها تتناول قضايا ساخنة مثل التطبيع مع إسرائيل «السفارة فى العمارة» أو الفساد مثل «الجردل والكنكة» الجزء الثانى من «بخيت وعديلة»، كل الأفلام التى تعرضت لشخصيته وافق عليها أيضاً مثل «طباخ الرئيس» وقبلها «جواز بقرار جمهورى»، وهناك أفلام كانت تتناول الرئيس إلا أن مؤسسة الرئاسة كانت مترددة فى قبولها مثل سيناريو «ابن الرئيس» الذى كتبه يوسف معاطى ورشح لإخراجه عمرو عرفة ولم يخرج السيناريو للنور حتى بعد خروج مبارك من الحكم وأظنه سيظل ممنوعا من التنفيذ!!
وتتابعت أفلام مثل «الفيل فى المنديل» «سامى أوكسيد الكربون» «بيبو وبشير» وغيرها كلها تحيل الثورة إلى مجرد نكتة، البعض وجد أن الفيلم هو بمثابة تبرئة لمواقفه قبل الثورة المؤيدة لمبارك والمبشرة لتوريث الحكم لابنه جمال، وهكذا شاهدنا وأيضا فى إطار مهرجان «كان» فى الاحتفال الرسمى بالثورة المصرية فيلم «18 يوما» قدمه عشرة مخرجين لم يعرف عن أغلبهم أى مواقف ثورية.
وتبقى الأفلام التى صنعها مخرجوها من داخل ميدان التحرير وهى ما بين الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية.. نلاحظ أن قسطا وافرا من هذه الأفلام وكأنه مصنوع على مقاس الثورة تكرر خلالها نفس المواقف والكلمات أشبه «بالكليشيه» ولم ينج من هذا التوصيف سوى عدد محدود من الأفلام، لا تزال الكثير من الحقائق غائبة عن المشهد، ولهذا فإن الجميع لا يزال يترقب، ولا أتصور أن الاحتفال بمرور ثلاث سنوات على الثورة سوف يفتح شهية المخرجين لتقديم أفلام عنها، أغلب ما تصورنا أنه جرائم موثقة نال عنها فاعلوها البراءة، فلا تنتظروا الآن ولا بعد عشر سنوات أفلاما، الضباب الكثيف لا يزال مسيطرا على المشهد العام.
ما أخشاه هو أن نرى أفلاما تنتقد 25 يناير باعتبارها مؤامرة بخيوط وأيادى أجنبية وليست ثورة أزاحت عن مصر ديكتاتورا وعائلته وأتباعه الذين جثموا على قلبها 30 عاما.