دبلوماسية البيانات الناعمة بين مصر والسعودية تحرج قطر

روزاليوسف الأسبوعية
لم تنه قمة دول مجلس التعاون الخليجى الاستثنائية المفاجئة التى استضافتها العاصمة السعودية الرياض مساء الأحد الماضى الخلافات الخليجية القطرية، لكنها بالتأكيد طوت صفحة من الخلافات امتدت إلى أكثر من ثمانية أشهر، مرشحة للعودة من جديد بعد انتهاء القمة الخليجية التى دعت إليها الدوحة يومى 9 و10 ديسمبر المقبل، والتى بعدها كما يذهب البعض فى توجساتهم، لن تجد الدوحة ما يجبرها على تنفيذ التزاماتها وتعهداتها التى سبق أن أخلت بها أكثر من مرة.
هذه الحالة من التشكك التى خيمت على الشارع المصرى طوال الأسبوع الماضى تجاه التزام قطر الأخير تجاه ضرورة وقف دعمها المالى واللوجيستى لجماعة الإخوان الإرهابية، خصوصا أن قطر لم تفى بوعودها والتزاماتها السابقة، بل كانت المماطلة والتسويف والرهان على عنصر الزمن هى العناوين الأبرز فى سلوكيات الحكومة القطرية، وهذا فيما يبدو الذى دعا العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى إلقاء بيان ناشد فيه الشعب المصرى الأربعاء الماضى دعم اتفاق الرياض التكميلى مع قطر، مؤكدا أن قادة مجلس التعاون بتوقيعهم اتفاق الرياض التكميلى الأحد الماضى بالرياض حرصوا على وقوفهم جميعا إلى جانب مصر، وذلك ارتباطا بالدور الكبير الذى تقوم به مصر، متطلعا إلى بدء مرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء، وقال: من هذا المنطلق فإننى أناشد مصر شعبا وقيادة للسعى معنا فى إنجاح هذه الخطوة فى مسيرة التضامن العربى، كما عهدناها دائما عونا وداعمة لجهود العمل العربى المشترك، مشيرا إلى أن قادة دول الخليج العربية حرصوا على أن يكون اتفاق الرياض التكميلى منهيا لجميع أسباب الخلافات.
وقال العاهل السعودى: حرصنا فى هذا الاتفاق على وضع إطار شامل لوحدة الصف والتوافق ونبذ الخلاف فى مواجهة التحديات التى تواجه أمتنا العربية والإسلامية، مضيفا: وفى هذا الإطار، وارتباطا بالدور الكبير الذى تقوم به جمهورية مصر العربية الشقيقة، فلقد حرصنا فى هذا الاتفاق وأكدنا على وقوفنا جميعا إلى جانبها وتطلعنا إلى بدء مرحلة جديدة من الإجماع والتوافق بين الأشقاء.
عودة إلى القمة الخليجية التى دعا إليها العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز وحضرها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة حاكم دبى، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى، ووزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وغابت عنه سلطنة عمان لتواجد السلطان قابوس فى ألمانيا منذ عدة أشهر للعلاج، والتى أذنت بعودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى العاصمة القطرية الدوحة، وطوت واحدة من أخطر الخلافات الخليجية التى كادت أن تعصف بمستقبل مجلس التعاون الخليجى الذى يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة عقود.
سبقت قمة الرياض غير المجدولة مشاورات ولقاءات قامت بها شخصيات غير رسمية ذات تأثير ووزن استثنائى، أبرزها فيما يبدو الزيارة التى قام بها صاحب السمو الملكى الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود إلى دولة قطر السبت الماضى قبيل انعقاد القمة بيوم واحد التقى خلالها الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثانى أمير دولة قطر ووالده صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى والشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق، وتطرق الاجتماع إلى العلاقات الأخوية بين المملكة وقطر، هذا إلى جانب الدور الرئيسى الذى اضطلع به أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح على مدى الشهور الماضية وكان شاهدا على جميع التعهدات الموثقة التى التزم بها أمير قطر أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكانت المملكة العربية السعودية التى سبق أن أرسلت وفدا رفيع المستوى فى أغسطس الماضى إلى الدوحة ضم كلا من وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف قد التزمت الصمت فى الفترة الأخيرة تجاه ملف الخلاف القطرى الخليجى، وتركت للوساطة الكويتية مهمة التعامل مع القيادة القطرية على أمل حل الخلاف دون تصعيد.
«روزاليوسف» علمت من مصادر مطلعة أن دولة الإمارات التى لم يحضر أميرها سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، أرادت الاعتذار مسبقا عن حضور قمة الدوحة، وأن وساطة الكويت قادتها إلى القبول بقمة الرياض الاستثنائية بهدف منح قطر فرصة أخرى لتنفيذ متطلبات دول مجلس التعاون الخليجى، كما علمت «روزاليوسف» أن قمة الرياض الاستثنائية كادت أن تنتهى إلى لا شىء بسبب رفض قطر التوقيع على محضر الالتزام، معتبرة ذلك اعترافاً بالاتهامات الموجهة إليها، إلا أن موقف خادم الحرمين كان حاسما فى هذه المسألة بقوله «إما التوقيع أو فض الاجتماع، عودوا إلى بلادكم، ولا قمة فى الدوحة بعد الآن»، وهو الأمر الذى أجبر أمير قطر على توقيع التعهد بالالتزام ببنود اتفاق الرياض التكميلى، كما علمت روزاليوسف أن قطر رفضت المطالب الإماراتية بطرد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوى من أراضيها، متعللة بأنه صمت ويحمل الجنسية القطرية وليس من اللائق طرده، إلا أنها أبدت مرونة فى طى ملف الإخوان المسلمين «غير القطريين» الذين تستضيفهم على أرضها، كما أنها سوف تخفف تدريجيا من معالجة قناة الجزيرة للملف المصرى وطلبت إمهالها شهرا لتنفيذ تعهداتها تجاه مصر.
وقالت المصادر إن القمة الخليجية الاستثنائية قد وضعت القيادة القطرية أمام الأمر الواقع، وأن القادة الخليجيين أكدوا أنه لا يمكن الحديث عن قمة دورية فى الدوحة مثلما هو مبرمج سلفا، ما لم تنفذ الدوحة ما جاء فى اتفاق الرياض الذى وقع عليه شخصيا أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، وأضافت أن زعماء دول مجلس التعاون الخليجى قالوا إن عودة السفراء إلى الدوحة أمر سابق لأوانه، ما لم يتعهد أمير قطر بتنفيذ الالتزامات التى سبق أن وقع عليها فى مارس الماضى، وهو الأمر الذى استسلم له تميم بن حمد ووقع على اتفاق الرياض التكميلى.
وأكدت أن المداولات خلال القمة لم تكن سهلة، وأن القمة كادت تنهار وتنفض، لولا حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذى تمكن من احتواء الموقف، وخروج القمة بالتزام قطرى بتنفيذ التعهدات التى وقع عليها أمير قطر فى اتفاق الرياض العام الماضى، والتى تتضمن عدم تدخل قطر فى الشئون الداخلية لأى عضو بمجلس التعاون، كما تتضمن عدم مساعدة الإخوان المسلمين، أو منحهم منبرا إعلاميا، وعدم استضافة قيادات تلك الجماعة أو أى جماعات إرهابية أخرى فى الدوحة، فضلا عن عدم دعم أو إيواء أى من المعارضين لدول المجلس بالعاصمة القطرية.
هذا وتأتى المصالحة الخليجية القطرية على خلفية التهديدات التى تمثلها داعش والتنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة التى تعبث بأمن المنطقة وبمستقبل دول مجلس التعاون الخليجى والتى أشارت إليها مراكز بحثية عالمية عدة يأتى على رأسها معهد كارنيجى للسلام الدولى الذى أكد فى تقريره الاستراتيجى الأخير أن الخلافات الخليجية القطرية كانت لها تأثيرات مدمرة على العديد من ملفات المنطقة، وألقى المعهد باللوم على الحكومة القطرية التى تغرد بعيدا فى اتجاهات مناهضة ومتناقضة مع مصالح دول الخليج العربية، وتصر على رسم مسار سياسى مستقل ظنا منها أن يؤدى بها إلى احتلال قوة التأثير التى تمثلها كل من الرياض والقاهرة.
من جانبه أثنى السفير عفيفى عبدالوهاب سفير مصر لدى المملكة العربية السعودية على موقف العاهل السعودى الداعم باستمرار لمصر وشعبها، والمدرك للدور المحورى الذى تقوم به مصر على الدوام، والداعى إلى إعادة اللحمة والتضامن العربى، وقال إن البيان الذى ناشد فيه العاهل السعودى مصر شعبا وقيادة يتسق مع مبادراته المستمرة والداعمة لمصر بعد ثورة 30 يونيو حتى الآن.
وقال السفير عبدالوهاب: إن مصر كعادتها تفتح ذراعيها لأمتها العربية وتعفو عمن أساء إليها باعتبارها دولة كبرى، والمطلوب من الطرف الآخر وهو قطر أن تبرهن على حسن النوايا وتثبت لمصر وشعبها أنها عادت إلى أمتها وتوقفت عن دعمها للإرهاب والإساءة إلى جموع الشعب المصرى التى خرجت دفاعا عن هويتها ومستقبلها فى 30 يونيو.
وأعرب عن ثقته فى أن مصر ستلبى مناشدة خادم الحرمين الشريفين لثقتها فى إخلاصه لمصر وتقديره لشعبها باعتباره حكيم العرب ويحظى بتقدير متفرد فى أوساط جميع أبناء الشعب المصرى، وشدد على أن الرجوع إلى الحق فضيلة، وإذا تابت قطر وعادت إلى رشدها والتزمت طريق الصواب فسوف تجد من مصر كل ترحاب وعفو وصفح.
وشدد سفير مصر فى الرياض على أن أمام قطر فرصة أخيرة وإلا فسوف تفقد مصداقيتها مما يعرضها لتنفيذ حزمة من العقوبات سبق أن أقرتها دول مجلس التعاون الخليجى فى حال عدم وفاء قطر بتعهداتها، أقلها عزل قطر عن محيطها الخليجى والعربى، فضلا عن تأثيرات اقتصادية لا طاقة للشعب القطرى على تحملها.