الجمعة 11 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المصير الغامض لرؤساء جهاز المخابرات فى مصـر!

المصير الغامض لرؤساء جهاز المخابرات  فى مصـر!
المصير الغامض لرؤساء جهاز المخابرات فى مصـر!














الجدل الحاد الذى أثاره ترشح اللواء عمر سليمان للرئاسة فتح الباب للتساؤل حول مصير رؤساء المخابرات فى مصر.. ورغم أن آخر منصب شغله اللواء عمر سليمان كان منصب نائب رئيس الجمهورية، إلا أنه يبقى فى أذهان المصريين رجل المخابرات الأقوى فى مصر.

 
 
المصير القلق للذين شغلوا منصب رئيس المخابرات فى مصر يبدو جزءا من متاعب المهنة أو تطبيقا للمثل الشائع بأن «طباخ السم لابد أن يتذوقه»، واللواء عمر سليمان نفسه دليل على هذا.. فالقدر مازال يغير النهايات بالنسبة للرجل ويتركها مفتوحة، فهو أصبح نائبا لرئيس الجمهورية بعد الثورة بأيام قليلة وسط اقتراحات بأن يفوض الرئيس المخلوع صلاحياته لنائبه، وهو ما يعنى أن سليمان كان سيصعد لسدة الحكم، وخلال أيام تغير مصير سليمان وتم خلع مبارك  وسط  اقتراحات بمجلس رئاسى يكون سليمان أحد أفراده، لكن السيناريو تغير مرة أخرى ليذهب الرجل إلى منزله عقب إذاعة بيان تنحى مبارك، ليبقى فى الظل طالبا من الناس أن ينسوه، وبعد شهور قليلة يتغير السيناريو مرة أخرى ليخرج الرجل من الظل إلى العلن ويعلن نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.. مع الخروج إلى الضوء انسحبت عن الرجل الحصانة الصامتة التى يمنحها المنصب لمن يشغله.. فتح الجميع نيرانهم على الرجل، تقدم الإخوان والسلفيون بـ 60 بلاغا ضده، اتهم باتهامات خطيرة.. رسم البعض له صورا على هيئة دراكولا.. وفى ساعات أيضا تغير المصير، حيث قضت اللجنة العليا للانتخابات برفض ترشح الرجل نتيجة نقص فى عدد 30 توكيلا من إجمالى 30 ألف توكيل مطلوبة، وأعلن الرجل أنه يمتثل لقرار اللجنة.. ليبقى مصيره السياسى مفتوحا ومعلقا حتى لحظة كتابة هذه السطور.
 
 
سليمان الذى شارك كل رؤساء المخابرات فى مصر فى الخلفية العسكرية المدعومة بموهبة  خاصة هو أطول رؤساء المخابرات فى مصر فى سنوات الخدمة، حيث تولى المنصب لمدة 18 عاما كاملة، بدأت فى 93 وحتى 2011  وهو رئيس المخابرات رقم 15 فى تاريخ مصر، وكان من اللافت أن الجهاز الذى ارتبط اسمه به تأسس فى نفس عام تخرجه فى الكلية الحربية .1954

 
أول رئيس للجهاز كان زكريا محيى الدين الذي تولى رئاسة الجهاز ثلاث سنوات.. ووصل لمنصب نائب رئيس جمهورية، ثم كان مصيره الاعتزال والعزلة منذ عام 1968 وحتى الآن.. وبعده جاء صلاح نصر الذى تولى لمدة عشر سنوات منذ 57 إلى 67  وكان مصيره السجن ثم العزلة وتأليف الكتب.. ثم كان أمين هويدى الذى تولى منذ 67 إلى 70 وجمع بين المنصب ومنصب وزير الحربية، ونجا هويدى من السجن.. وإن كان خرج من معادلة السلطة.. حتى وفاته وانشغل بالتأليف الاستراتيجى ومعارضة نظام مبارك.. ثم حافظ إسماعيل الذى تولى لمدة عام واحد فى مهمة مؤقتة ثم أصبح مستشارا لشئون الأمن القومى حتى وفاته ولم يشهد مصيره تقلبات درامية وهو ما لم يكن من نصيب أحمد كامل الذى تولى المنصب لمدة عام انتهت بسجنه فى قضية مراكز القوى مايو .71 ثم كان أحمد إسماعيل الذى تولى لمدة سنة ثم أنهى حياته مكللا بالنصر بعد أن شغل منصب القائد العام للقوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر، ثم رحل بعدها بعام واحد.
 
 
وبعد أحمد إسماعيل دخل الجهاز عصر رؤساء الظل، حيث تولى أحمد عبدالسلام توفيق لمدة عامين، ثم اللواء كمال حسن على لمدة عامين، ثم اللواء سعيد الماحى لمدة ثلاث سنوات، ثم اللواء فؤاد نصار لمدة عامين، ثم رفعت جبريل لمدة ثلاث سنوات، ثم أمين نمر لمدة 3 سنوات، ثم عمر نجم لمدة ثلاث سنوات ثم نورالدين عفيفى لمدة عامين، ثم عمر سليمان لمدة 18 عاما متواصلة.. ثم اللواء مراد موافى منذ يناير 2011 وحتى الآن.
 
 
اللحظة التى يمر بها عمر سليمان تدفع لسؤال أكثر أهمية وخطورة حول مصير رؤساء الجهاز السابقين، وخاصة أن الغموض هو جوهر عمل جهاز المخابرات وعدم ظهور قادة الجهاز هو أساس عمله.. لدرجة أن الكثيرين لايعرفون حتى أسماء بعض رؤساء الجهاز الذين تولوا شئونه فى مراحل بالغة الحساسية، وقد كان غريبا ونحن نفتح ونبحث فى هذا الملف أن نكتشف أن غالبية قيادات الجهاز قد انتهت أدوارهم نهايات غامضة.. أحيانا بالاعتقال.. وأحيانا بالانزواء ووسط حالة من الصمت الذى لم يتح للكثيرين معرفة أدوارهم الوطنية ومدى العبء الذى تحملوه لقيادة جهاز مخابرات أكبر دولة فى العالم العربى تشتبك فى معارك معقدة بطول الدنيا وعرضها!

 
هناك فى حدائق القبة، حيث المقر الرئيسى لجهاز المخابرات العامة المصرية لابد أن تلاحظ شعار الجهاز والذى لم يتغير منذ تأسيسه عام 1954 فخلف عين حورس يوجد أسفلها نسر قوى ينقض على أفعى سامة لينتزعها من الأرض ويرمز الشعار لقوة الجهاز وصرامته فى مواجهة الأخطار والشرور التى تواجه الأمن القومى للبلاد.. وهذا بالضبط ما كان يقصده الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عندما أصدر قرارا رسميا عام 1954 بإنشاء جهاز استخبارى حمل اسم «المخابرات العامة»، وعلى عكس الشائع فلم يكن صلاح نصر هو أول رئيس للجهاز، حيث أسند عبدالناصر رئاسة الجهاز إلى زكريا محيى الدين «أحد الضباط الأحرار» والذى قاد عملية محاصرة القصور الملكية فى الإسكندرية وأصبح بعد الثورة مديرا للمخابرات الحربية ثم وزيرا للداخلية عام 1953 وقد أسس زكريا محيى الدين الجهاز وترأسه لمدة عامين فقط وتولى عدة مناصب بعد ذلك «منها وزير الداخلية فى عام 1961, وفى عام 1965 صدر قرار من عبدالناصر بتولية محيى الدين منصب رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية، وبعد النكسة وفى ليلة 9 يونيو أسند عبدالناصر الحكم إلى زكريا محيى الدين.. وخرج الملايين مطالبين عبدالناصر بالبقاء فى نفس الوقت الذى لاقى فيه زكريا محيى الدين انتقادات عنيفة بسبب ما اعتبره خصومه السياسيون «آراءه السياسية» التى تتجه إلى اليمين وإلى إنهاء أى خصومة مع الولايات المتحدة.. وفى عام 1968
 

 
قدم محيى الدين استقالته، وأعلن اعتزاله الحياة السياسية تماماً وظل معتكفًا حتى هذه اللحظة حيث تجاوز التسعين من عمره، بعد زكريا محيى الدين تولى رئاسة الجهاز على صبرى وظل فيه حتى نهايات عام 1956 (بقى عدة أشهر فقط على رأس الجهاز)، ورغم أن صبرى أصبح رئيسًا للوزراء بعد ذلك وقاد خطة خمسية ناجحة باعتراف الجميع، وأصبح رئيسًا للاتحاد الاشتراكى، إلا أن صعوده السياسى انتهى فى عام 1971 حيث تم اعتقاله ضمن آخرين فى قضية مراكز القوى، التى حصد فيها السادات كل رجال عبدالناصر فى ضربة واحدة، فى 23 يوليو 1956 تولى صلاح نصر رئاسة الجهاز وارتبط اسمه بالمخابرات فى عصر عبدالناصر من ناحيتين.. الأولى أنه هو من قام بالفعل بالتأسيس الحقيقى للجهاز،
 
حيث بذل مجهودًا خارقًا فى تأسيس جهاز عمله بالغ الحساسية وتكوين كوادر دون حدوث اختراقات.. الناحية الثانية هى تورط الجهاز فى بعض الممارسات التى انتهت بصلاح نصر مسجونا لمدة 25 عامًا.. ولا ينافس عمر سليمان فى سوء الحظ والخاتمة سوى صلاح نصر، فقد ربط نصر نفسه بالمشير عبدالحكيم عامر فى الصراع بين «الرئيس والمشير»، كما توسع فى انتهاك خصوصيات معارضى النظام وفى عمليات «السيطرة» لدرجة صعود شخص أصبح له مناصب بعد ذلك مهمة وعديدة اسمه.. صفوت الشريف!

 
صلاح نصر صاحب فكرة «وجود اقتصاديات خاصة لجهاز المخابرات» بدأها بشركة فى مجال النقل تتبع المخابرات برأسمال 300 ألف جنيه وصاحب العقلية المخابراتية المشهورة هو نفسه الذى حكم عليه بالمؤبد بعد النكسة ولم يخرج من السجن إلا فى 22 أكتوبر 1974 عندما أفرج عنه السادات.. بعدها وفى 13 يوليو 1967 أصيب بأزمة صحية وقلبية عنيفة ظلت تلازمه وهو يكتب مذكراته بأجزائها الثلاثة «الصعود، الانطلاق، العام الحزين»، أو هو يكتب عن تاريخ المخابرات و«الحرب النفسية» إلى أن توفى فى عام 1982 بعد أن تعذب لسنوات السبعينيات كلها بتحويل اسمه إلى أيقونة للتجسس على المواطنين والمراقبة والسيطرة على الفنانات.. شاهد هذا بعينه فى المقالات والكتب حتى على شاشة السينما!

 
بعد صلاح نصر جاء أمين هويدى الذى درس فى الكلية الحربية وعمل أستاذًا فى كلية الأركان وأصبح قبل النكسة نائبا لرئيس جهاز المخابرات ثم عينه عبدالناصر بعد يونيو 67 والهزيمة العسكرية وزيرًا للحربية ورئيسًا للمخابرات العامة، وقد قاد هويدى بطولات عظيمة للمخابرات المصرية فى ذروة الصراع مع إسرائيل وحرب الاستنزاف وقدم للقيادة السياسية أكبر وأدق تفاصيل التحركات الإسرائيلية على مختلف الجهات العسكرية والسياسية والإعلامية،
 
كما قدم المعلومات الاستخباراتية التى أدت لنجاح مهمة تدمير المدمرة «إيلات» وعملية «الحفار» وكلها مثلت تحولاً نوعيًا فى موازين القوى ضد إسرائيل، طوال السبعينيات وحتى وفاته فى 31 أكتوبر 2009 ظل أمين هويدى وفياً لجمال عبدالناصر وللمشروع القومى العربى وإلى جانب معارضته لنظامى السادات ومبارك ألف كتبا مهمة فى الاستراتيجية والسياسة وأنهى هذه الكتابات بسيرته الذاتية «50 عاماً من العواصف.. ما رأيته قلته» ورغم التاريخ العظيم والسيرة المشرفة إلا أن أمين هويدى عاش سنواته الأخيرة فى ظل اكتئاب دائم بسبب انهيار وتداعى الوطن والأمة بفضل مبارك ورجاله..
 
وفى حواراته الصحفية قبل وفاته كانت كلماته تقطر بالمرارة والغضب! وفى الفترة من أواخر 1969 إلى عام 1970 تولى محمد حافظ إسماعيل رئاسة المخابرات وخرج من المنصب بعد شهور، حيث كان السادات يعيد ترتيب كل الأوراق ولهذا عين الفريق أحمد إسماعيل على رئيساً للمخابرات فى عام 1971 وكان يشغل قبل ذلك منصب رئيس الأركان «خلفاً للشهيد عبدالمنعم رياض».. أصبح وزيرا للدفاع فى عام 1973  وأصيب بمرض استدعى سفره إلى لندن حيث توفى هناك «فى سن مبكرة 57 عاماً» وخلفه فى المنصب رجل لا يذكره ولا يعرفه المصريون اسمه هو اللواء أحمد عبدالسلام توفيق الذى ترأس المخابرات من 1973 إلى عام 1975 ليعين بعدها سفيراً لمصر فى جمهورية الصين الشعبية إلى أن أحيل للتقاعد فى مارس 1980 وفى الفترة من 1975:1978 تولى الجهاز اللواء كمال حسن على الذى كان قائداً للعمليات فى حرب اليمن وبعد خروجه من المخابرات تولى رئاسة الوزراء بعد وفاة فؤاد محيى الدين ليصبح ثانى رئيس وزراء فى عهد الرئيس المخلوع مبارك إلا أنه خرج تماماً من المشهد بعد فترة قصيرة بعد أن كان مرشحاً لتولى منصب نائب الرئيس إلى أن توفى فى 27 مارس 1993 فى الفترة من كمال حسن على إلى عمر سليمان توالى على رئاسة الجهاز قادة اشتركوا فى أن أسماءهم غائبة تماماً عن ذاكرة المصريين رغم تأديتهم أدواراً عظيمة للغاية فى الحفاظ على الأمن القومى للبلاد،
 
 وفى ظل رئاسة جمهورية تفتح الأبواب على مصاريعها للإسرائيليين والأمريكان «!!» وهم الفريق محمد سعيد الماحى الذى كان رئيساً لسلاح المدفعية فى حرب 1973 ثم رئيسا للمخابرات في 1978 حتى 1981 قبل أن يخرجه مبارك من المنصب ويعينه محافظا للإسكندرية ثم اللواء محمد فؤاد نصار والذى كان رئيساً للمخابرات الحربية ثم رئيساً للمخابرات العامة من 81 إلى عام 1983 ومن عام 1983 إلى عام 1986 تولى اللواء رفعت جبريل رئاسة الجهاز بعد أن لعب دوراً مهماً فى السنوات السابقة على توليه المنصب فى مقاومة الجاسوسية «تخصص فى النشاط الإسرائيلى» وهو صاحب عملية «الهجان» الشهيرة وبطل عملية القبض على باروخ مزراحى والجاسوسة هبة سليم ولم يستمر فى منصبه سوى ثلاثة أعوام ليأتى اللواء أمين نمر رئيساً للجهاز لمدة ثلاث سنوات أخرى قبل أن يذهب إلى الكويت سفيراً لمصر بعد حرب الخليج مباشرة،
 
 ثم اللواء عمر نجم الذى كان مديراً للشرطة العسكرية ومحافظاً لجنوب سيناء وتولى رئاسة الجهاز أيضاً لمدة ثلاث سنوات فقط ثم نورالدين عفيفى لمدة عامين وإلى عام 1993 قبل أن يأتى اللواء عمر سليمان رئيساً للمخابرات منذ عام 1993 وحتى تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011  الملاحظ أنه منذ أواخر عهد السادات لم يستغرق أى رئيس لجهاز المخابرات أكثر من عامين أو ثلاثة وسرعان ما يتم استبداله فقد كانت الخلافات «المكتومة» سرعان ما تتصاعد بسبب حالة الترحيب الشديد بالوجود الإسرائيلى فى مصر على يد السادات ومبارك وهى خلافات ظهرت فى بعض المذكرات أو التصريحات الصحفية وإن لم تظهر تفاصيلها الكاملة نظراً لطبيعة عمل الجهاز الذى يجرم إفشاء أى أسرار تتعلق بالعمل، الوحيد الذى بقى لأطول فترة هو اللواء عمر سليمان الذى لازم مبارك قرابة 20 عاماً رئيساً للمخابرات ورغم أن الجهاز بطبيعته شديد الوطنية إلا أن ميول ونزعات سليمان «سياسياً» تطابقت مع مبارك.. فكلاهما مع مد الجسور مع إسرائيل لآخر مدى وضد أى أفكار للمقاومة إلى آخر حدود الانهيار السياسى والوطنى! ومن المؤكد أن الجهاز مارس عمله - كالمعتاد - بمنتهى الصرامة والوطنية وحافظ على الأمن القومى فى حدود طبيعة عمله، لكن رئيسه «سليمان» قرر أن يشارك صلاح نصر نفس النهاية المأساوية الأول سجيناً ومطارداً.. والثانى مدافعاً عن انتماءات رئيسه مبارك.. لا يعترف بأن الشعب قام بثورة.. ولا يعتذر عن قتل الشهداء.. بقى صلاح نصر رمزاً لممارسات قمعية.. وسيظل عمر سليمان رمزاً للانحراف الثانى فى قضية كبيرة لم تكشف تفاصيلها الكاملة بعد!