المسلمون يحددون رئيس فرنسا القادم

مرفت الحطيم
يأتى المسلمون فى الموقع الثانى فى فرنسا، ولكنهم يعانون من أوضاع صعبة، ساهمت الدعاية الصهيونية من جهة، وممارسة بعض العرب المهاجرين من جهة أخرى، فى تشويه صورتهم وتعقيد أوضاعهم، فاتهموا بممارسة العنف والإرهاب حينا، وبالتخلف والهمجية حينا آخر، وبين هذا وذاك، حاول المسلمون أن يزيلوا تلك الصورة المشبوهة عنهم، وإبراز معالم هويتهم الحضارية والثقافية.
يعتبر الإسلام الدين الثانى فى فرنسا، ويفوق عدد معتنقيه الخمسة ملايين نسمة بنسبة 8٪ أو تزيد. ويرتب الإسلام حسب الأهمية مباشرة بعد الكاثوليكية، وقبل البروستانتية واليهودية بكثير. وينتشر المسلمون فى مدن فرنسا وفى ريفها على السواء وهذه الأرقام ليست رسمية أو حكومية، فقانون الإعلام والحريات يمنع تعداد المواطنين حسب انتمائهم العرقى أو الدينى أو الفلسفى. فطبيعة هذه الأرقام لا تتجاوز كونها استقراءات علماء الاجتماع واستطلاعات مختصة للرأى.
فرنسا دولة لا دينية منذ عام 1905 فهى لا تعترف بالأديان ولا تعاديها، فدستورها ينص فى مادته الثانية أنها «جمهورية علمانية، لكنها تحترم كل الأديان»، فنظريا وقانونيا يعامل الإسلام فى فرنسا كما تعامل جميع الأديان بما فى ذلك الكاثوليكية التى كانت فرنسا تعتبر ابنتها البكر قبل الثورة الفرنسية. هذا ما تنص عليه قوانين كثيرة، أما فى الواقع المعاش فيختلف الأمر قليلا حسب تعاقب السياسات وتقلب الأحداث المتعلقة بالإسلام محليا أو عالميا.
وبدون أن يكون لهم دخل فى ذلك؛ وجد آلاف المسلمين الفرنسيين أنفسهم مؤخرا فى قلب المعركة الانتخابية، حيث اشتدت المنافسة أخيرا بين الحزب الحاكم الذى يقوده الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى والحزب الاشتراكى الذى يمثله فرانسوا هولاند واليمين المتطرف بزعامة مارى لوبن التى خلفت والدها على رأس هذا الحزب المثير للجدل. وتقول صحيفة ليبراسيون الفرنسية إنه كالعادة قبل الانتخابات يسعى كل مرشح إلى كسب تعاطف الناخبين بشتى الطرق، إلا أن ملف الإسلاميين طغى على الملفات الأخرى هذه المرة، خاصة بعد أحداث مدينة تولوز التى راح ضحيتها ثلاثة تلاميذ ومدرس فى إحدى المدارس اليهودية على يد شاب فرنسى من أصول جزائرية، يعتقد أنه ينتمى إلى تيار متشدد، إلا أن القضية أخذت أبعادا أخرى، فقد سارع ساركوزى إلى التنديد بالهجوم ومنع شخصيات إسلامية من الدخول إلى الأراضى الفرنسية، فى الوقت الذى وجه رسالة شديدة اللهجة إلى القائمين على اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا.
ومن ناحية أخرى؛ فقد اهتم ساركوزى بالإسلام الفرنسى مباشرة بعد توليه منصب وزير الداخلية فى عام 2002 عقب إعادة انتخاب الرئيس الفرنسى السابق جاك شيراك. ولا يعتبر ساركوزى المسئول الفرنسى الأول الذى أعطى الإسلام هذه الأهمية، فقد عمل سلفه بلاس بوڤو، على إنشاء منظمة تمثل مسلمى فرنسا. ومنذ الثمانينيات من القرن الماضى أصبح الإسلام الديانة الثانية فى فرنسا بعد المسيحية، وأصبح محل نقاش يتسع يوما بعد يوم، منذ ذلك الوقت. وخلال بحثه عن حلفاء له بين المسلمين تم إنشاء المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية فى عام 2003 ويكون بذلك قد وجد بديلا لمسجد باريس الكبير الذى يتمتع بنفوذ كبير فى أوساط الجالية المسلمة.
وفى هذا السياق يقول مستشار سابق لساركوزى عندما كان وزيرا للداخلية، إنه أى المجلس أشبه بحزب شيوعى محكم التنظيم ويحافظ على النظام. واستمر شهر العسل بين الجمعيات الإسلامية والوزير سنوات، إلا أن هذا الأخير سعى دائما لاختراق سياسى لهذه الجمعيات التى عادة ما تصوت لمصلحة اليسار.
وجاء قانون منع ارتداء النقاب فى المدارس فى عام 2004 الذى أيده الرئيس الفرنسى جاك شيراك فى ذلك الوقت ليسهم بشكل كبير فى توتر العلاقات بين السلطة والهيئات الإسلامية الفرنسية. وازدادت العلاقة توترا فى العام الذى تلاه، حيث شهدت ضواحى باريس احتجاجات شبابية وأعمال شغب، ما دفع ساركوزى إلى تشديد اللهجة ضد المهاجرين.
وعندما أصبح رئيسا فى 2007 بادر بالانتقام من مجلس الديانة الفرنسى، من خلال النزول ضيفا على مسجد باريس فى يوم من أيام رمضان لتناول الإفطار. وفى غضون ذلك، يرى مراقبون أن الرئيس الفرنسى استغل الهجمات الأخيرة فى تولوز لتحسين شعبيته المتراجعة، وأظهر استطلاع رأى أجرى مؤخرا ارتفاع شعبية ساركوزى بعد مقتل مهاجم تولوز محمد مراح ونجح فى تقليص الفارق بينه وبين المرشح الاشتراكى هولاند. ومن المتوقع أن يزداد الضغط على المسلمين فى فرنسا بسبب هذه الأحداث، وتقول منظمة مستقلة تهتم بمكافحة كراهية الإسلام فى فرنسا إن المحجبات أصبحن الأكثر عرضة للمضايقات والعنف.
ويقول المسئول فى وكالة أريان للسفريات فى باريس جمال عفوف: صحيح أن فرنسا دولة قانون، لكنها دولة قانون للجميع باستثناء المسلمين»، مضيفا أن هذا الوضع دفع عددا من الفرنسيين المسلمين للتفكير فى هجرة بلدهم. وفى المقابل يبدو قادة المنظمات الإسلامية واعين جيدا لما يحاك ضدها، ومحاولات استهداف المسلمين فى فرنسا، وفى ذلك يقول القيادى محمد موسوى إنه يطمح إلى «فصل الإسلام عن الإرهاب بشكل قاطع»، وطالب موسوى بالتخلى عن مصطلحات من الممكن أن تلحق الأذى النفسى بالمسلمين الذين يحاولون الدفاع عن كرامتهم ومعتقداتهم.
ويتمثل الإسلام فى فرنسا من خلال عدد الجمعيات والهيئات الكثيرة والتى أبرزها المعهد الإسلامى ومسجد باريس الكبير الذى دشن فى عام 1926 والمساجد الإقليمية التابعة له، وقد اعتبرت هذه المؤسسة لعدة عقود الممثل الفعلى للإسلام فى فرنسا، لكن بعد ضعف إشعاعها، منذ بداية التسعينيات، وظهور هيئات إسلامية أخرى تنافسها، أصبح المعهد الإسلامى ومسجد باريس يشخص الإسلام «المعتدل» الذى تمده بالرعاية نوعا ما الحكومة الجزائرية؛ وهناك اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا وهو تنظيم يعتبر نفسه امتدادا للإخوان المسلمين، ويدير بعض المساجد والمدارس، والمخيمات الشبابية كما يقيم مؤتمرا سنويا تلقى فيه المحاضرات وتعرض فيه الكتب والمبيعات الإسلامية، ويدير الاتحاد معهدا إسلاميا - حسب رؤيتهم للإسلام - يحمل اسما محايدا فهو يدعى رسميا المعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية، وكثير من دروسه تعطى عن طريق المراسلة.
ويسعى الاتحاد من خلال معهده إلى تكوين الأئمة ونشر الكتب الإسلامية باللغة الفرنسية.
وهناك أيضا الفيدرالية الوطنية لمسلمى فرنسا وقد تأسست سنة 1985 برعاية رابطة العالم الإسلامى التى اعتمدت فى إيجادها وتسييرها على فرنسيين معتنقين للإسلام من أمثال الشيخ يعقوب روتى ويوسف لوكليرك. ثم تغير مع مرور الزمن أعضاء مجلس إدارة الفيدرالية، فاستقلت عن الرابطة لتقترب من الحكومة المغربية، وتضم حاليا أكثر من 150جمعية.
أما جماعة الدعوة والتبليغ، وأصل مذهبهم من الهند، وهم دعاة متجولون زاهدون لا يخوضون فى السياسة ولا يتدخلون فى النقاش الاجتماعى. وينقسمون إلى جمعيتين أساسيتين، وقد تفرغوا لإعادة أسلمة من «ابتعد عن الإسلام» ويرى الكثيرون فى ذلك دعوة لاعتناق مذهبهم لا أكثر. ويمتلكون العديد من المساجد والمصليات فى كبرى المدن الفرنسية .
كما توجد جمعيتان كبريان لتمثيل الأتراك، إحداهما تشرف عليها السفارة التركية والأخرى معارضة.وتكونت أخيرا جمعية «الفاياكا» لتلم المساجد والمصليات التابعة للأفارقة والقمريين والوافدين من جزر المحيط الهندى بصفة عامة.