أزمة إخـوان السيـاسـة.. والسلطــــة!
عصام عبد العزيز
اسأل من حولك.. إلى أين نحن سائرون؟ لن تجد إجابة محددة.. هذا الوضع المرعب الذى وجدنا أنفسنا فيه يرجع لأسباب كثيرة أخطرها أننا جميعا صرنا أسرى جماعة سرية لا يعرف أغلبنا عنها الكثير.. نعم نعرف أنها جماعة الإخوان المسلمين.. وأنها تملك ملايين لا حصر لها عابرة للدول والقارات.. وأنهم ناس بتوع ربنا يرفعون شعار الإسلام هو الحل.. ربما لذلك انتخبهم البسطاء.. ولكن كل هذا يزيد الصندوق الأسود المسمى بالإخوان المسلمين غموضًا.
كل ما يعرفه العامة عن الجماعة السرية المسماة بالإخوان المسلمين لا يفسر لهم لماذا كان الإخوان دائما فى صدام مع السلطات الحاكمة وتحملوا فى سبيل ذلك الاضطهاد والسجن؟ ولماذا يسعون الآن إلى مقاعد السلطة من الرئاسة إلى المجالس المحلية؟ ولماذا يستبعدون كل القوى الوطنية لينفردوا بكل شىء من قيادة البرلمان إلى كتابة الدستور؟ ولماذا يصدرون قرارات ثم يتراجعون عنها؟ وغيرها من الأمور التى تطرح أسئلة لا حصر لها.. ومنها.. ما هى جذورهم الفكرية؟ وما هى لوائحهم الداخلية؟ وكيف يجندون الأعضاء الجدد.. وما مصادر تمويلهم؟.. وهل تخضع تلك الأموال لرقابة الدولة؟.. وما علاقة مكتب الإرشاد بحزب الحرية والعدالة؟.. وهل صحيح أن كل عضو فى جماعة الإخوان يقسم بالولاء والسمع والطاعة لمرشد الجماعة؟! إن صح ذلك، فإن المرشد سيكون السلطة الأعلى فى البلاد فى حالة فوز خيرت الشاطر بمنصب رئيس الجمهورية.. وإذا كانت الجماعة تسعى للفوز بكل مقاعد السلطة فى مصر فهل لديهم الكوادر المؤهلة لتولى هذه المهام الجسام؟ والبعض حتى من داخل الجماعة يشكك فى ذلك.. عموما مثل هذه الأسئلة دفعتنى لإعادة قراءة الكثير من المراجع التى تناولت الإخوان السياسيين.. أقصد المسلمين.
∎ الاستعلاء
تطورت الأسس الفكرية لمنهج الإخوان المسلمين عبر السنين ويصعب تناول كل هذه التطورات فى هذه العجالة.. وما يهمنا هنا أن مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا كان قد التقط من أستاذه «رشيد رضا» قاعدة فكرية تتلخص فى «نتعاون فيما نتفق عليه.. ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه».. وساعدت هذه القاعدة الذهبية «البنا» فى نشأة الجماعة ونموها فى مراحلها الأولى.. وبعد توسع التنظيم الخاص فى المواجهات المسلحة مع السلطات الحاكمة.. اغتيل حسن البنا.. وجاء بعده سيد قطب ليطرح فكرة الاستعلاء بالإيمان على الكفر.. ثم تطورت الفكرة إلى الاستعلاء على المسلمين العصاة.. وتكرر منه استعمال لفظ جاهلية القرن العشرين مما مثل بوادر الفكر التكفيرى داخل جماعة الإخوان.. ويقال إن الفكر الجهادى والتكفيرى ولد من رحم أفكار سيد قطب الذى أعدم فى عهد جمال عبدالناصر.. وعندما تولى المستشار حسن الهضيبى مرشدًا للإخوان كان كتابه «دعاة لا قضاة» المحاولة الأولى للرد على الفكر التكفيرى الذى بدأ يتكون.. وهكذا ولد تنظيم الإخوان وتطور وفى جذوره كارثتان فكريتان فى غاية الخطورة وهما المواجهة المسلحة مع النظام إذا لزم الأمر.. والمواجهة التكفيرية مع المجتمع والتى استخدمت فى تجنيد الأعضاء وتلويث المناهضين.
وجاء عصر السادات بانفراجة لجماعة الإخوان ومرشدها فى ذلك الوقت عمر التلمسانى.. الذى عمل على التوسع فى مفهوم «التعاون فيما اتفقنا عليه»، لإعادة بناء الجماعة التى تضررت بشدة بعد دخول عدد كبير من قادتها سجون نظام عبدالناصر فى الفترة ما بين عامى 1956 و.1965 وفى نفس الفترة تكونت حركة طلابية إسلامية سلفية تأثرت بدعاة أنصار السنة وكتابات الألبانى.. وبن باز.. والعثيمين.. وابن تيمية.. وسعى الإخوان لضم عناصر طلابية من الحركة السلفية فرفض أغلبهم.. وانضم بعضهم للإخوان ومنهم محمد حبيب وعبدالمنعم أبو الفتوح وإبراهيم الزعفرانى وعصام العريان وغيرهم.. وبالعزيمة القوية لهذا الجيل قرر الإخوان ممارسة السياسة بكل أشكالها فخاضوا المعارك الانتخابية.. وشاركوا فى ورش عمل مشتركة مع أحزاب علمانية.. وتقاسموا معها الدوائر الانتخابية.. واتصلوا بالأمريكان بتكليف من الجماعة وبرضا مرشدها. وحاولت الجماعة تأسيس حزب سياسى منذ عهد الهضيبى.. وهو حزب الوسط برئاسة المهندس أبو العلا ماضى.. ولكن هذا الحزب لم يحصل على الموافقة إلا بعد ثورة يناير.
∎ فقه المصلحة
فى هذه المرحلة بدأت فتنة السلطة تصيب الإخوان فلجأوا إلى فقه المصلحة لتبرير غاياتهم السياسية وهى الوصول للسلطة بأى شكل باستخدام الدين.. والاستعانة بأموال الزكاة.. وتجنيد الشباب بأساليب معقدة تضمن للجماعة ولاءهم فى كل الظروف لاستخدامهم لتحقيق أهداف الجماعة تحت دعوة نصرة الإسلام.. الأغرب أن الشباب السلفى من جيل السبعينيات الذين انضموا للإخوان بهدف إصلاح الجماعة من الداخل نسوا أهدافهم السلفية وأصبحوا أكثر تحررًا وانفتاحًا فكريا حتى من الإخوان أنفسهم.. وأبدعوا كثيرا فيما يمكن أن نسميه بفقه المصلحة.. وأصبحوا يتحدثون عن إصلاح فكرى فى اتجاه العلمنة.. وكانت القضية أول الأمر لا تزيد عن كونها لى للكلمات لإرضاء العلمانيين.. فيقولون مثلا نحن نؤمن بالديموقراطية ثم يقيدونها بما لا يخالف شرع الله.. وهكذا نجح جيل السبعينيات فى تطويع فكر جماعة الإخوان وفق فقه المصلحة بهدف الوصول إلى مراكز السلطة والتمكين، وتغيرت بهم مواقف الإخوان من المرأة والأقباط والإبداع الثقافى ومن معاهدة السلام مع إسرائيل وغيرها من القضايا، وأدت هذه التحولات التى قادها جيل السبعينيات فى فكر الإخوان ومواقفهم إلى شعور المتشددين الإخوان بعبء هذا الجيل على الجماعة لما سببوه من حرج بالغ لرموز الإخوان، وبدأت الشروخ تعرف طريقها إلى هذا التنظيم الذى كان يتباهى بتماسكه بعد أن عرف جيل السبعينيات طريقه إلى القيادة منذ عهد عمر التلمسانى مما أثار الكثير من المخاوف لدى الكوادر الإخوانية المتمسكة بالأصول الفكرية للجماعة والذين رأوا أن جيل السبعينيات لعب دورا فى تأخر دعوة الإخوان وتشوهها وحول الجماعة إلى سلم ارتقاه حزب العمل تارة وحزب الوفد تارة أخرى بما خدم الحزب الوطنى بشكل غير مباشر.
هذا بالإضافة إلى أن جيل السبعينيات الذى غير فكره من السلفية إلى الفكر الإخوانى ثم غيروا الفكر الإخوانى إلى فكر منفتح يبتعد بجماعة الإخوان عن أصولها الفكرية بهدف الوصول إلى السلطة التى يسعون إليها بكل الوسائل.. وفى سبيل ذلك يغير هؤلاء القادة أفكارهم بسرعة وباستمرار.. وبكل سهولة.. وهو ما يفسر لنا سلوك الإخوان الآن وتصريحات قيادتها.. ولماذا طرحوا فى البداية شعار المشاركة لا المغالبة وبعدها استولوا على البرلمان والشورى واللجنة التأسيسية للدستور.. ولماذا أعلنوا أنهم لن يرشحوا أحدا لانتخابات الرئاسة بل فصلوا عبدالمنعم أبوالفتوح عندما فعل وبعدها تراجعوا بسرعة ورشحوا خيرت الشاطر لمنصب الرئيس.. إنه باختصار فقه المصلحة.
∎ فتنة السلطة
وتشير المتابعة المتأنية لمواقف الإخوان المسلمين خلال الفترة الأخيرة إلى التزام الجماعة الصادق بفقه المصلحة وتجسد ذلك فى أبشع صوره فيما صرح به مؤخرا محمد حبيب النائب الأول للمرشد السابق حول قبول د.محمد الكتاتنى ومحمد مرسى قبل سقوط مبارك بأيام اتفاقًا يقضى بسحب شباب الإخوان من التحرير مقابل الاعتراف بالجماعة والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك.. حاولت الجماعة بالفعل تنفيذ الاتفاق ولكن شباب الإخوان رفضوا الاستجابة لأوامر مكتب الإرشاد والتخلى عن الثورة، بل كان لهم دور بارز فى إنجاحها بعد تصديهم مع باقى شباب التحرير لهجوم موقعة الجمل.. وخطورة ما ذكره محمد حبيب أن الإخوان يحكمهم منطق فى التفكير تسوده عقلية التنظيم السرى الذى يستعين بالدين كوسيلة للوصول للسلطة.. بأى وسيلة حتى لو كانت بيع الثورة لنظام مبارك مقابل الإفراج عن الشاطر ومالك.. والأخطر أن مثل هذه الطريقة النفعية فى التفكير مازالت تلازم الإخوان الذين فشلوا حتى الآن فى تقديم أنفسهم كرجال دولة يقدمون المصالح العليا للوطن على مصالحهم الشخصية أو الحزبية الضيقة.. فسلوكهم يؤكد كل مرة حرصهم على الوصول إلى مقاعد السلطة فى انقلاب تام على وعودهم السابقة.
على أى أحوال قد يجد لهم البعض عزرا.. أو مبررا.. فالسلطة تعنى الشهرة والنفوذ والمال وبريق الأضواء.. وتخيلوا معى عضوا بجماعة الإخوان المسلمين - مهما كان منصبه - يتعرض لكل هذه الإغراءات فجأة وبلا تمهيد.. بالتأكيد سيفقد توازنه إلا من رحم ربى.. وبديهى أن تدور معارك بين إخوان الأمس حول المغانم وبالتالى سيتشقق بنيان الجماعة الذى دفع فى تشييده الآباء المؤسسين لجماعة الإخوان الغالى والرخيص.. وإذا استمرت الشقوق فى التمدد سينهار البناء.. وهذا هو ما حذر منه نبلاء جماعة الإخوان من الشيوخ والشباب.. والذين اعترضوا على ترشيح خيرت الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية.
وكان المشهد أمام المركز العام لجماعة الإخوان منذ أكثر من عشرة أيام رائعا.. حيث نظمت مجموعة صيحة إخوانية أول وقفة احتجاجية فى تاريخ الجماعة معارضة لقرار مكتب الإرشاد بترشيح الشاطر.. ورفعوا شعار «أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم» وأصدروا بيانا أكدوا فيه معارضتهم لهذا القرار الذى سيؤدى إلى تفكيك المشروع الوطنى وعزل الإخوان سياسيا واجتماعيا ويجعلهم فى مواجهة مع جميع القوى الوطنية ويضعف موقفهم.. وسيؤدى إلى شعور المواطنين بأن الجماعة كانت تخدعهم وتتكلم بلسانين وتظهر بوجهين مؤكدين أن ما يحدث ظلم للإخوان والوطن أن يتحمل فصيل واحد مسئولية الوطن فى مثل هذه الظروف.
وتستمر الأحداث.. وتزداد أزمة إخوان السياسة والسلطة تعقيدا وللحديث بقية.