الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الهاربون من الكرسى الباباوى









فى الوقت الذى تتواتر فيه الأخبارخلف أسوار الكنيسة، عن صراعات وتربيطات لأساقفة مشتاقين للجلوسعلى الكرسى البابوى، الأمر الذى أصبح حلما معلنا لكثيرين لايخجلون من ترشيح أنفسهم بل هناك منهم، من يعقد صفقات مع صحفيين للترويج لهم، ونشر موضوعات عنهم أشبه بالإعلانات التحريرية (على طريقة الرجل المناسب فى المكان المناسب) أو إنشاء جروبات لآخرين على مواقع التواصل الاجتماعى تمدح فى أسقف يدعم كتيبة إليكترونية تعمل ليلا ونهارا على نشر اسمه وذم الآخرين، أو أسقف آخر يرتمى فى حضن السلطة زاعما أنه مرشحها المضمون الناجح، أو راهب يروج لنفسه، إلى غير ذلك من قصص وأقاويل وصلت لحد التشابك بالأيادى وتبادل السباب.
 
 
 
 
هذه الأمور جميعها التى تتم بلا حياء أو مواربة جعلتنى أتذكر تلك القصص الرائعة الموجودة بكتب تاريخ الكنيسة عن الرهبان الذين كانوا ظيهربون إلى الصحارى البعيدة حتى لا تتم رسامتهم بطاركة لدرجة أن الشعب كان يقيدهم بالسلاسل والأغلال لإتمام الصلوات. هذه السير المباركة التى نقدمها لأطفال مدارس الأحد فى واقع مغاير تماما أصبح فيه الترشح للبطريركية يحتاج إلى صحفيين وحملات إعلانية وقنوات فضائية لذلك أقدم لهؤلاء المشتاقين بعضا من سير القديسين الهاربين لعلهم يستحون.

 
البابا مرقس الثانى
مات هذا البطريرك فى (17 أبريل سنة 819 م) وهو يحمل رقم 49من باباوات الكرازة المرقسية.وجاء فى السنكسار - كتاب سير القديسين مرتبا حسب تاريخ وفاتهم - عنه أن هذا البابا كان من أهل الإسكندرية، بكرا طاهرا عالما فاضلا. وقد رسمه البابا يوحنا شماسا فقسا فكان كل من يسمعه يطرب بصوته وبحسن نغماته فى الصلاة وسلم إليه البابا البطريرك تدبير البطريركية ولم يكن يعمل شيئا إلا بعد أخذ رأيه، وعندما البسه الأسكيم المقدس فى الهيكل. صاح أحد الشيوخ قائلا: هذا الشماس الذى اسمه مرقس سيستحق أن يجلس على كرسى أبيه مرقس لما تنيح البابا يوحنا أجمع الأساقفة على اختياره بطريركا فهرب إلى البرية ولكنهم لحقوا به وأحضروه ورسموه بطريركا فى يوم 2 أمشير سنة 515 ش (26 يناير 799م) - أتمنى أن يعيد المشتاقون قراءة هذا السطر مرة أخرى لعلهم يهربون فلن يلحق وراهم أحد - ونعود للبابا مرقس الذى يقول عنه السنكسار أنه اهتم بشئون الكنائس وعمر ما خرب منها ورد أرباب البدع إلى الرأى القويم وأبرأ مرضى كثيرين وأخرج من بعضهم الشياطين وقال لبعضهم أن ما أصابكم حدث نتيجة تجاسركم على التناول من الأسرار المقدسة بجهل، فاحفظوا نفوسكم منذ الآن من الكلام الردىء الذى يخرج من أفواهكم. وفى أيامه استولى العرب على جزائر الروم وسبوا كثيرين من نسائهم وأولادهم وآتوا بهم إلى الإسكندرية وشرعوا فى بيعهم فجمع من المؤمنين مالا علاوة على ما كان عنده من أموال الأديرة ودفع فى سبيل إنقاذهم وإطلاق حريتهم ومبلغ ثلاثة آلاف دينار وكتب لهم أوراق عتقهم وزود من رجع إلى بلاده بالمال اللازم له وزوج من بقى منهم وصار يعتنى بهم واهتم هذا الأب بكنيسة المخلص التى بالإسكندرية وجددها فأحرقها بعض الأشرار فعاد وجددها ثانية.

 
 
 
البابا يوحنا الخامس الـ29
 
 
يذكر السنكسار عنه أنه من مواليد الإسكندرية. ومال منذ حداثته إلى حياة الرهبنة فترهب ببرية القديس مقاريوس واختير للبطريركية بعد سلفه البابا أثناسيوس فتمنع ولكن الأساقفة والكهنة والأراخنة أخذوه قهرا ورسموه فى أول بابه سنة 213 ش (29 سبتمبر سنة 496 م) فلما جلس على الكرسى اهتم اهتماما زائدا بالتعليم والوعظ وتثبيت المؤمنين على الإيمان المستقيم وهو أول بطريرك تم اختياره من الرهبان.

 
وكان يحكم القسطنطينية وقتئذ الملك زينون البار. ولهذا اشتد ساعد البابا البطريرك فى نشر الإيمان المستقيم فى أنحاء البلاد المصرية، وقد أمر هذا الملك بإرسال طلبات برية شيهيت من القمح والزيت والخمر والمال لتجديد مبانى قلاليهم وترميمها وكانت أيام هذا البابا أيام هدوء وسلام ولما أكمل سعيه الصالح مرض قليلا ثم تنيح بعد أن قضى على الكرسى المرقسى ثمانى سنوات وسبعة أشهر.

 
البابا مقاريوس

 
كان منذ صغره عابدا ناسكا.
 
 
وارتاح إلى سيرة الرهبنة فذهب إلى برية الأسقيط وترهب بدير القديس مقاريوس. وتفرغ للعبادة والجهاد.

 
وكان يروض نفسه بقراءة الكتب المقدسة وتفاسيرها والتأمل فى معانيها. وارتقى فى الفضيلة فرسم قسا.
 
 
ولما تنيح الأنبا ميخائيل البابا الثامن والستون خلا الكرسى البابوى فذهب جماعة من الكهنة والأساقفة العلماء إلى برية الأسقيط.
 
 
واجتمعوا فى الكنيسة مع شيوخ البرية ومكثوا زمانا يبحثون ويستكشفون أخبار من يصلح لهذه الرتبة.

 
إلى أن استقر رأى الجميع على هذا الأب لما عرف عنه من الخصال الحميدة والخلال السديدة، فآخذوه جبرا وقيدوه قسرا.
 
 
وهو ينتحل الأعذار ويقدم أسبابا ويصيح بأن يعفوه قائلا: إنى لا أصلح للبطريركية. وكان يهرب منهم.
 
 
فأحضروه إلى الإسكندرية ورسموه بطريركا ،وقرء التقليده بكنيسة المعلقة بمصر، يونانيا وقبطيا وعربيا. وكان فى رئاسته متزايدا فى نسكه وتعبده. وكان مداوما على التعليم والوعظ كل يوم.
 
 
وكان يواصل الصدقات والرحمة إلى ذوى الفاقة وأرباب الحاجات، ولم يطالب فى أيام رئاسته بشىء من أموال الكنائس، بل ما كان يفضل عنه مما يقدم له، كان يصرفه فى أوجه البر، وكمل فى الرياسة سبعا وعشرين سنة، وأيضا بالقيود.

 
البابا سيمون الثانى

 
وكان هذا القديس من أهالى الإسكندرية ابنا لأبوين مسيحيين أرثوذكسيين من أكابر المدينة. وقد رضع لبن الإيمان من صغره.
 
 
وتأدب بعلوم الكنيسة واختار لنفسه سيرة الرهبنة، فقصد جبل شيهيت وترهب فى قلاية سلفه الأنبا يعقوب البطريرك.

 
ومكث عنده عدة سنوات، أضنك فيها جسمه بالنسك الطويل، والتعبد الكثير ولما أصبح الأنبا مرقس الثانى بطريركا، طلبه من أبيه الروحى الأنبا يعقوب،لما علم عنه من السيرة الصالحة، والتدبير الحسن فمكث عنده إلى أن تنيح.

 
ولما تم اختيار الأنبا يعقوب أبوه الروحى بطريركا، جعله أيضا عنده. وكان ينتفع به كثيرا. ولما تنيح الأنبا يعقوب أجمع رأى الأساقفة والكهنة والمشايخ على تقدمة هذا الأب، لما رأوه فى مدة إقامته عند الأبوين المذكورين من التقوى والإيمان الصحيح. فمسكوه وقيدوه ورسموه بطريركا.
 
 
 
فسار السيرة الملائكية المرضية للرب. وشاء الله أن ينحيه فلم يقم على الكرسى سوى خمسة أشهر ونصف.

 
البابا مقاريوس

 
هذه القصة تتكرر بشكل واضح فى مناهج مدارس الأحد. لكى تشرح للأطفال صعوبة وجسامة وخطورة منصب البطريرك الأمر الذى جعل أما تتمنى موت ابنها بدلاً من رسامته بطريركا.
فقد حدث ذلك كما يذكر تاريخ البطاركة معالأب القديس الأنبا مقاريوس الأول التاسع والخمسون من باباوات الكرازة المرقسية. وقد ولد فى بلدة شبرا وزهد العالم منذ صغره واشتاق إلى السيرة الرهبانية. فقصد جبل شيهيت بدير القديس مقاريوس، وسار فى سيرة صالحة أهلته لانتخابه بطريركا خلفا للبابا قزما (قزمان). فاعتلى الكرسى المرقسى فى (27 مارس سنة 932 م).
 
 
وحدث لما خرج من الإسكندرية قاصدا زيارة الأديرة ببرية شيهيت كعادة أسلافه، أن مر على بلدته لافتقاد والدته. وكانت امرأة بارة صالحة. فلما سمعت بقدومه لم تخرج إليه. ولما دخل البيت وجدها جالسة تغزل فلم تلتفت إليه، ولا سلمت عليه. فظن أنها لم تعرفه. فقال لها: (ألا تعلمين أنى أنا ابنك مقاريوس الذى رقى درجة سامية، ونال سلطة رفيعة، وأصبح سيداً لأمة كبيرة ؟) فأجابته وهى دامعة العين: «أنى لا أجهلك وأعرف ما صرت إليه، ولكنى كنت أفضل يا ابنى أن يؤتى بك إلى محمولا على نعش، خير من أن أسمع عنك أو أراك بطريركا. ألا تعلم أنك قبلا كنت مطالبا بنفسك وحدها. أما الآن فقد صرت مطالبا بأنفس رعيتك. فاذكر أنك أمسيت فى خطر، وهيهات أن تنجو منه».. قالت له هذا وأخذت تشتغل كما كانت.
 
 
أما الأب البطريرك فخرج من عندها حزينا، وباشر شئون وظيفته، منبها الشعب بالوعظ والإرشاد. وكان مداوما على توصية الأساقفة والكهنة برعاية الشعب وحراسته، وأقام على الكرسى الرسولى تسع عشرة سنة وأحد عشر شهراً فى هدوء وطمأنينة.

 
دموع البابا كيرلس السادس
 
 
ولان القديسين دائما يهربون من المجد. ويشعرون بجسامة مسئولية البابا نجد دموع البابا كيرلس السادس كانت تنهمر بغزارة شديدة يوم سيامته. الأمر الذى تعجب له كل الحضور.فهل يقرأ من يحلم بهذا المنصب هذه السير ويتأمل فى الهروب والقيود والجبر والدموع. ويحاول أن يقلد هؤلاء العظماء أم أنه الآن لاتوجد صحارى أو لاتوجد دموع.