«مافيا المستشارين» مصت دم الدولة

محمد الجزار
إذا اقتربت من سن المعاش وتملك نفوذًا داخل مؤسستك الحكومية.. لا تقلق.. سيتم تعيينك مستشارًا فى أسرع وقت لتقف بجانب الوزير، ليس مهمًا ماذا ستؤدى من خلال موقعك كمستشار.. المهم أن تتقاضى راتبًا خياليًا.. فقط قف بجانب الوزير.
أما إذا كنت صاحب نفوذ فى القطاع الخاص.. فلا تقلق أيضًا.. سنعينك مستشارًا للوزير مع الاحتفاظ بمنصبك فى القطاع الخاص... ستتقاضى راتبًا من أموال الشعب، فقط قف بجانب سيادة الوزير.
هكذا كانت تدار الأمور فى دولتى مبارك والإخوان، أعداد هائلة من المستشارين فى جميع القطاعات وأموال طائلة تصرف والعائد صفر، فالمجاملة والتحايل فى دولة الفساد لابد منها كى تدور عجلة الفساد، والمستشارون فى كل مؤسسات الدولة ميراث سيئ السمعة لابد أن نتخلص منه فى أسرع وقت حتى لا يصيب السرطان أجهزة الدولة.
المستشارون فى مصر يتقاضون مبالغ مالية طائلة قد تصل إلى 250 ألف جنيه شهريًا قبل ثورة يناير، وهى ظاهرة قديمة بدأت بعد ثورة 1952 وإن كان النظام الملكى قد استعان بمستشارين أجانب يعتمد عليهم الملك فاروق وبعد التأميم وبداية القطاع العام انتشرت الظاهرة فى كل أركان القطاع العام لدرجة كالسوس تنخر فيه وتقضى عليه.
الغريب أن منصب المستشار فى مصر لا يذهب لمن لديه خبرة فائقة أو رؤية تطويرية إنما يقدم غالبًا كنوع من مكافآت نهاية الخدمة.
وداخل دولاب العمل الحكومى طرائف وعجائب عندما نجد موظفًا ما يحصل على إجازة بدون مرتب ليتحول إلى مستشار فى موقع آخر وقد ظهرت هذه الحالات بكثرة شركات قطاع الأعمال وفى حالات وصل أجر المستشار أو الخبير على الوضع الجديد إلى 50 ضعف راتبه السابق وأن هناك قرابة 1000 مستشار كان راتبهم قبل الثورة يصل إلى مليون جنيه شهريًا، وهناك إحصائيات تؤكد أن عدد المستشارين منذ ثورة يوليو حتى ما قبل ثورة يناير وصلوا إلى حوالى 450 ألف مستشار فى الجهاز الإدارى للدولة.
وتجدهم منتشرين فى كل مكان لدرجة محاولة شراء رجال الأعمال لمستشارين كانوا فى مناصب إدارية مهمة لتسهيل أعمالهم ويتم الاستعانة بهم بعد نهاية فترة عملهم بالحكومة لاستمرار الاستفادة منهم فى تسهيل تعاملهم مع القطاع العام من خلال سلطتهم وخبرتهم بالموقع الحكومى، وربما تجد بعض كبار موظفى الدولة والمستشارين يعملون كمستشار خاص وحكومى فى نفس الوقت.
وتعد وزارة المالية من أكبر النماذج الوزارية التى تعمل بنظام المستشارين ومازال بها 16 مستشارًا حتى الآن وأغلب المستشارين تمت الاستعانة بهم فور خروجهم على المعاش وقد أسس لذلك الوزير الهارب بطرس غالى، حيث قام بتعيين جلال أبوالفتوح رئيس مصلحة الجمارك الأسبق كمستشار لوزير المالية لشئون الجمارك.
ومن النقل والمواصلات إلى المالية التى حولها بطرس غالى لنادى أصدقائه من المستشارين لدرجة تحول اثنين منهم إلى وزراء وهما أشرف العربى وهانى قدرى وبعد بطرس لم يختلف الأمر حيث يعمل بالوزارة 16 مستشارًا وأهمهم مصطفى حسين المستشار القانونى الذى يعمل منذ 17 عامًا بالوزارة وباعتباره كفاءة نادرة حيث عمل مستشارًا لوزارة التربية والتعليم والمالية معا لأن مصر هى بلد العجائب!!
وأن تقلص عدد المستشارين فى 450 ألف مستشار وخبير إلى 26 ألفًا ويتقاضون رواتب على عملهم كمستشارين بجانب معاشهم من موازنة التأمين الاجتماعى وأغلبهم تم تعيينه أثناء نظام مبارك إما عن طريق الرشاوى السياسية أو المجاملات والمؤسف أنهم يكلفون الدولة 16 مليار جنيه دون أى فائدة من عملهم وأن ما يحصلون عليه يقدر بربع مخصصات الأجور فى الدولة.
وكأن الثورة الأولى فى يناير والثانية فى يونيو لم تمر على الجهاز الحكومى، والمدهش أن رجال الاقتصاد الذين تولوا أعلى المناصب الحكومية لم يلتفت أحدهم إلى الظاهرة خاصة د.سمير رضوان ود.حازم الببلاوى وكل من عمل معهم ضمن الحقبة الاقتصادية.
رصدنا أيضًا بعض النماذج الصارخة التى تؤكد تفشى الظاهرة داخل وزارة النقل والمواصلات حيث يعمل بها كتيبة من المستشارين عددهم 25 مستشارًا والباب السحرى هو الخروج على المعاش ثم التحول إلى مستشار ومن أبرزهم إبراهيم يوسف مستشار الوزير لقطاع النقل البحرى وإبراهيم عمر للمترو والسكة الحديد، ومحمود جمال الدين للاستثمار.. المثير أن إبراهيم يوسف مستشار لشركة خاصة تعمل فى ميناء دمياط - بمعنى أنه مستشار حكومى وخاص فى نفس الوقت.
وزارة النقل بها مستشار لكل قطاع وراوتبهم ضخمة كأن هذه الوزارة تعمل خارج مصر ولا رقيب عليها من أى جهة رقابية بالدولة ولا أحد يعرف هل يستمر الوضع هكذا فى الوزارة أم سيتغير؟!
وممدوح عمر رئيس مصلحة الضرائب السابق الذى جاء مع الإخوان وتحول لمستشار لشئون الضرائب وطارق فراج مستشار للضرائب العقارية ومصباح قطب للتواصل الاجتماعى والمفاجأة استمرار الإخوانى د. أحمد النجار مهندس عملية الصكوك فى عهد مرسى مستشارًا لشئون الصكوك وسامى خلاف مستشارًا للدين العام وإبراهيم صالح مستشارًا لشئون الطاقة وحسان زغلول للأمن ويستمر جلال أبوالفتوح مستشارا للجمارك باعتباره خبيرة نادرة، وعاطف الفقى للتكنولوجيا، محمد معيط لشئون المعاشات وتبقى المرأة الحديدية رانيا زايد مستشارة لشئون الشراكة منذ عهد بطرس غالى وأيمن جوهر للخدمات الحكومية وهناك لعبة كراسى موسيقية تتم داخل الوزارة بين المستشارين لتقسيم التورتة ورد الجميل وتبقى المستشارة الإعلامية لغزًا لاستمرارها كمستشارة لعدد من الوزراء المتتاليين من فلول الإخوان وكأنها وقعت عقدًا مدى الحياة وهناك أسماء مستشارين آخرين يعملون بالوزارة بخلاف المكافآت التى كانت تصرف لأصحاب الحظوة والجهد العالى فى العطاء للمسئولين وكبار الموظفين ليدفع المواطن البسيط الضرائب للمستشارين وأبناء السعادة.
خلال فترة حكم الإخوان تم تعيين بعض المستشارين بطريقة غير مسبوقة فتجد خريج دبلوم صنايع مستشارًا فى المحاسبة وآخر حاصلاً على الإعدادية مستشارًا لمحافظ وأناس لا يفعلون شيئًا سوى الحصول على الراتب كل أول شهر وطبق الإخوان نفس نمط الحزب الوطنى فى تعيين المحاسيب خاصة فى الأماكن التى تدفع رواتب جيدة مثل البترول والكهرباء والمالية والأوقاف وغيرها فقام خالد الأزهرى وزير القوى العاملة الأسبق بتعيين 15 مستشارًا بوزارة القوى العاملة لم يعرفهم أحد سوى مسئول الخزينة.
ويحسب للوزير كمال أبو عيطة طرده للمستشارين الإخوان عندما تولى حقيبة الوزارة لعدم الاستفادة منهم أو توافر ما يمكن تقديمه مقابل المبالغ المالية التى يحصلون عليها بأمر إخوانى وعلى حساب البسطاء العاملين بالوزارة ويستمر لغز المستشار العمالى وقصصه مع كل وزير تولى الوزارة منذ مختار أبوعيش ثم العماوى وعائشة عبدالهادى والإخوانى خالد الأزهرى.
ومن الوزارات التى تخلصت أيضًا من جيش المستشارين بها هى الموارد المائية والرى والتى كان بها 40 مستشارًا فى كل قطاع بل فى معظم المشاريع، وهو ما أدى بنا إلى المصير المجهول فى أزمة سد النهضة الإثيوبى وإن تم الإبقاء على ثلاثة مستشارين فقط وذلك عقب 25 يناير حتى الآن ولابد أن يتم معاقبة هؤلاء المستشارين على الفشل فى مجال الرى وسوء العلاقات مع دول المنبع لنهر النيل ومشروع توشكى الوهمى.. المستشارون الأربعون فى وزارة الرى كانوا يحصلون على رواتبهم من المنح المتخصصة لتطوير مشاريع الرى وتطهير الترع والمصارف والتدريب الفنى وكان الوزير الأسبق محمود أبوزيد هو صاحب هوجة المستشارين لكن الوزير الحالى د.محمد عبدالمطلب رفض الاستمرار فى التستر على هذا الأمر وتخلص من تركة الوزراء السابقين.