الثلاثاء 30 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

هجمات سيبرانية وانعدام تمويل

الأمم المتحدة التى «عفى عليها الزمن»

شن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، هجومًا لاذعًا على الأمم المتحدة، واعتبر أن دورها محدود فى إصدار بيانات شديدة اللهجة دون اتخاذ إجراءات فعالة.



وأوضح ترامب فى كلمته أمام الجمعية العامة، أن المنظمة التى اتهمها بالفساد، لم تدعمه فى جهوده لوقف سبع حروب نجح فى وأدها بمفرده على حد تعبيره.

قال إنه لم يتلق مكالمة واحدة من جانب المنظمة تعرض فيها المساعدة للحصول على صفقات سلام، كل ما حصلت عليه من الأمم المتحدة كان مصعدا كهربائيا توقف فى منتصف الطريق، ولو لم تكن السيدة الأولى فى قوام جيد لسقطت بالفعل.

وما بين هجوم ترامب وتحليلات الخبراء الذين يرون تراجعا فى دور المنظمة الأممية خلال الفترة الأخيرة، وأن حادثة المصعد الكهربائى كانت بمثابة رمزية تعكس الضعف الشديد الذى باتت عليه المنظمة والدولة التى تقع تحت حراستها سواء كان هذا العطل بفعل هجوم سيبرانى أم لا.

>الخدمة السرية الأمريكية 

فى هذا الصدد، أعلن جهاز الخدمة السرية الأمريكى، تفكيك شبكة تضم أكثر من 100 ألف شريحة هاتف محمول، كان يمكنها تعطيل شبكة الاتصالات فى نيويورك قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك فى وقت نُفذ فيه تهديدات هاتفية مجهولة المصدر، يمكن استخدام هذه الوسائل لشن مجموعة واسعة من هجمات الاتصالات».

وأوضح الجهاز، أن ذلك يشمل تعطيل أبراج الهواتف المحمولة، وتمكين هجمات قطع الخدمة، وتسهيل الاتصالات المجهولة والمشفرة بين الجهات الفاعلة المحتملة والشركات الإجرامية.

من جانبها ذكرت الأمم المتحدة، أنها حلت لغز توقف السلم المتحرك فجأة بعد فترة وجيزة من صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عليه، مُرجحة أن يكون مصور الفيديو الخاص بترامب فَعل آلية الأمان بطريق الخطأ ليتوقف السلم المتحرك، وذلك بعد أن اشتكى ترامب مازحا من الواقعة خلال خطابه أمام قادة العالم. كما اشتكى أيضًا من تعطل شاشة القراءة، التى يظهر عليها نص الخطاب الذى ألقاه.

>البيت الأبيض

بدوره دخل البيت الأبيض على الخط، ودعا إلى «فصل فوري» لأى شخص، قد يكون تسبب بتوقف مفاجئ للسُلّم الكهربائى لدى وصول ترامب إلى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، فى منشور على منصة «إكس»: «إذا قام شخص ما فى الأمم المتحدة عمدًا بإيقاف السُّلم الكهربائى عند استخدام الرئيس والسيدة الأولى، يجب فصله فورًا، وفتح تحقيق».

 أكد الدكتور أحمد بانافع، أستاذ أمن الشبكات بكاليفورنيا، أن ما جرى فى مبنى الأمم المتحدة من أعطال متكررة أثناء زيارة ترامب، يُشتبه بأنه هجوم سيبرانى، لاسيما أن تزامن هذه الأعطال على هذا النحو، والتى شملت توقف ميكروفونات ومصاعد وشاشات وأبواب إلكترونية، مما أثار علامة استفهام كبيرة.

 وأضاف بانافع فى تصريحات لـ«روزاليوسف»، أن تزامن حدوث الأعطال رغم أنها تعمل بأنظمة حيوية، وتجهيزات وإجراءات احترازية، خلال وقت كان محددا فيه أن أهم شخصية فى العالم ستكون متواجدة فى المبنى، فضلا عن عدم وجود سبب تقنى حقيقى لهذه الأعطال المتزامنة والمتتالية، يثير الريبة حول أن ما جرى كان هجومًا سيبرانيًا.

>هجوم سيبراني

وأشار بانافع، أنه فى حال كان ذلك هجومًا سيبرانيًا ، فإن هناك هدفًا رمزيًا من وراء ذلك لعدة اعتبارات، منها أن الأمم المتحدة منظمة دولية،وهناك جدل واسع حول دورها، وأن وقوع هذا الحدث كان بمثابة رسالة وصلت إلى جميع دول العالم أن هناك مشكلة فى عمل المنظمة.

وبحسب بانافع، فإنه من المحتمل أن تكون الدول التى لديها خصومة سياسية مع الولايات المتحدة هى من تقف وراء هذا الهجوم، وعلى رأسها الصين وروسيا وكوريا الشمالية، خاصة أن هذه الدول لديها خبرات كبيرة فى الهجمات السيبرانية. 

وأعرب بانافع عن استغرابه، من خروج بيانات غير مقنعة ومتضاربة من جانب الأمم المتحدة حول هذه الأعطال، ومنها تعرض مكتبها الإعلامى أيضا لهجوم سيبرانى، وذلك عندما أرجعت وقائع تعطل الشاشة التى كان يقرأ منها الرئيس الأمريكى وتعطل المصعد الذى استقله، إلى أمور تتعلق بالفحص الاحترازى للفريق الأمنى لترامب، فيما كانت هناك حجة أخرى تُرجع ما جرى إلى الأزمة المالية التى تمربها الأمم المتحدة، بما لا يسمح بوجود صيانة دورية، ويجعل الأعطال تتكرر.

>بعد استراتيجي

بدوره، رأى الباحث الاستراتيجى، هشام معتضد، أن فى مثل هذه الأحداث، لا يمكن قراءة الأعطال التقنية داخل مبنى الأمم المتحدة بمعزل عن البعد الاستراتيجي. صحيح أن الأعطال قد تبدو سطحيًا مجرد حوادث تقنية، لكن فى عالم الاستخبارات والضغط السيبرانى، فحتى التفاصيل الصغيرة تُستثمر كإشارات مدروسة. تعطيل الميكروفونات والمصاعد والأبواب الإلكترونية فى توقيت حساس، حيث تجتمع وفود العالم لسماع خطاب ترامب، يطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كان الأمر رسالة رمزية قبل أن يكون خللًا تقنيًا.

>هدف مثالي

وشدد «معتضد» على أن الفرضية السيبرانية تبقى قائمة، خصوصًا أن مبنى الأمم المتحدة يُعتبر هدفًا مثاليًا لأى طرف يسعى لإرباك صورة النظام الدولي. هجوم غير معلن، محدود التأثير لكنه عميق الرمزية، يحقق هدفًا مزدوجًا: أولًا، التشكيك فى قدرة المنظمة على إدارة نفسها تقنيًا؛ ثانيًا، توجيه رسالة غير مباشرة إلى القوى الكبرى بأن ساحة السيادة الرقمية باتت مفتوحة على جميع الاحتمالات. فى هذا المعنى، التعطيل يصبح أقرب إلى «توقيع صامت» أكثر من كونه حادثًا عرضيًا.

وأفاد «معتضد» لـ«روز اليوسف»، أنه عند الحديث عن اللاعبين المحتملين فى ذلك، تبقى الصين وروسيا حاضرتين فى ذهن الكثيرين بسبب قدرتهما الكبيرة فى الحرب السيبرانية ورغبتهما الدائمة فى إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي. لكن دون الدخول فى اتهام مباشر، يمكن القول إن أى قوة تملك مصلحة فى إظهار هشاشة المؤسسات الدولية قد تستثمر فى مثل هذه العمليات. الرسالة حينها ليست فقط ضد الأمم المتحدة، بل ضد الهيمنة الأمريكية التى تُعتبر حارسة للنظام الأممى منذ الحرب العالمية الثانية.

 

 

 

ومن زاوية الضغط الاستراتيجى، بحسب «معتضد» فإن هكذا عمليات صامتة يُراد منها اختبار رد فعل الولايات المتحدة. هل ستتعامل مع الأمر كحادث عرضى وتقلل من أهميته، أم ستقرأه كتحذير سيبرانى يختبر جاهزيتها؟. فى حسابات القوى المنافسة، مجرد زرع الشك داخل دوائر القرار الأمريكى يُعتبر إنجازًا بحد ذاته، لأنه يفتح بابًا للارتباك ويخلق حاجة إلى مراجعة أمنية باهظة التكاليف.

>الفضاء الرقمي

وتابع: «فى الوقت نفسه، هذه الأعطال تسلط الضوء على أن الفضاء السيبرانى أصبح «جبهة خلفية» لجميع الصراعات الكبرى. بينما تُعقد النقاشات داخل القاعات حول قضايا السلم والأمن، تُدار معارك خفية فى الشبكات وأنظمة التحكم. إنها طريقة لتذكير الجميع، خصوصًا واشنطن، أن التفوق العسكرى والسياسى لم يعد كافيًا، وأن من يملك اليد العليا فى الفضاء الرقمى قادر على تعطيل رموز الشرعية الدولية فى أى لحظة، على حد قول «معتضد».

وأعرب «معتضد» عن اعتقاده أن ما حدث ليس صدفة تقنية، وفى عقل الاستراتيجيين الكبار يُقرأ بأكثر من ذلك: تجربة صامتة لقياس الاستعدادات، ورسالة مشفرة تعكس منطق «الحرب الباردة الرقمية». والولايات المتحدة، المعنية أولًا بهذه الرسائل، تجد نفسها أمام سؤال أعمق: هل تستطيع الحفاظ على هيمنتها فى نظام دولى تتزايد فيه أدوات التشويش غير التقليدية، حيث تُستعمل الأعطال التقنية كسلاح دبلوماسى موازٍ؟.