عقوبات تطال المجالات الاقتصادية والعسكرية والرياضية «تسونامى» أوروبى ضد إسرائيل مواقف الدول الأوروبية تضرب اقتصاد تل أبيب

آلاء البدرى
أدخل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بلاده فى نفق مظلم بعدما أصر على تصعيد العمليات العسكرية واستعراض القوة الذى لا يجدى نفعا فى غزة دون أن يأخذ فى الاعتبار موقف ترامب وتقلباته والضغوط الأوروبية المتصاعدة التى من الممكن أن تؤدى فى نهاية المطاف إلى المزيد من العقوبات الدولية والوضع السياسى والاقتصادى المتدهور لإسرائيل الذى يدفع البلاد بسرعة نحو حرب أهلية وأيضا تؤثر فى قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلى على الاستمرار فى حرب مكلفة طويلة الأمد فى غزة فى ظل أزمة التجنيد وتمرد المجندين.
ويتوقع المحللون خسارة إسرائيل نحو 6 مليارات دولار من الإيرادات المباشرة سنويًا نتيجة العقوبات التى ستفرض عليها خصوصًا من قبل دول الاتحاد الأوروبى وبريطانيا.
حيث انفجرت الأزمة بين إسرائيل وأوروبا على الملأ بعد أن اتهم وزير الخارجية الإســرائـــيـــلـى الأوروبــيـيـن بـالتحريض على معاداة السامية، وحمل الأوروبيون اللوم عن كل حوادث القتل فى أوروبا والولايات المتحدة وأدلى نتنياهو بدلوه متهمًا المملكة المتحدة وفرنسا بالانحياز إلى مرتكبى جرائم القتل الجماعى والمغتصبين وقاتلى الأطفال والخاطفين وكانت هناك حسابات وغضب وراء هذه الاتهامات تتعلق بالضغوط الأوروبية المتزايدة وتأثيرها الواضح سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا فى إسرائيل.
مراجعة العلاقات
ومن المتوقع أن تلحق مراجعة العلاقات التجارية وتعليقها من قبل الاتحاد الأوروبى أضرارًا لا حصر لها بالاقتصاد الإسرائيلى فحسب تصريحات دان كاتاريفاس رئيس الاتحاد الإسرائيلى لغرف التجارة والصناعة الثنائية القومية ستؤثر التصريحات السياسية الأوروبية سلبًا على الصادرات والاستثمارات كما سيكون ضربة قاصمة لإسرائيل الدولة الصغيرة التى تعتمد بشكل كلى على الاقتصاد التحولى الذى يحتاج دائما وجود الأسواق الخارجية وبما أن الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى لإسرائيل إذ يمثل ثلث إجمالى تجارتها السلعية وفقًا لبيانات المفوضية الأوروبية وتعتبر المملكة المتحدة ثامن أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية حيث اشترت سلعًا إسرائيلية بقيمة 1.1 مليار يورو العام الماضى باستثناء الماس وفقًا لمكتب الإحصاء المركزى الإسرائيلى فسيكون الضغط بورقة الاقتصاد مجديًا للغاية الأمر الذى دفع الاتحاد الأوروبى إلى تكثيف ضغوطه على إسرائيل مع توسيع حملتها العسكرية العقابية فى قطاع غزة حيث أعلنت بروكسل أنها ستعيد النظر فى اتفاقية التعاون التجارى الموقعة مع إسرائيل وحظيت هذه الخطوة التى تم الاتفاق عليها من 17 دولة من الدول الأعضاء الـ27 فى الاتحاد الاوروبى بدعم كبير والتى اقترحها للمرة الأولى وزير الخارجية الهولندى كاسبار فيلدكامب.
كما علقت بريطانيا مفاوضات تحسين العلاقات التجارية مع إسرائيل وذلك بعد يوم من انضمامها إلى فرنسا وكندا فى بيان شديد اللهجة ضد العمليات العسكرية الموسعة فى غزة ومنعها للمساعدات الإنسانية، حيث هددت الدول الثلاث باتخاذ خطوات ملموسة ضد إسرائيل الأمر الذى وضع اتفاقيات التجارة المستقبلية التى كان من المتوقع أن تكون أكثر شمولًا على المحك بالإضافة إلى أن تجميد المحادثات سيصعب على المصدرين الإسرائيليين التوسع والتفاوض على طلبات تصدير جديدة أو حتى دخول أسواق المملكة المتحدة وغيرها من الأسواق الأوروبية.
وما يثير القلق داخل إسرائيل هو تأثير صادرات الخدمات فى مجال التكنولوجيا والإنترنت المحرك الرئيسى لنمو الاقتصاد إذ ستواجه شركات التكنولوجيا الإسرائيلية تحديات وصعوبات فى زيادة حصتها السوقية ليس فقط فى المملكة المتحدة بل أيضًا فى دول الاتحاد الأوروبى .
العزلة الرياضية
على جانب آخر تلقت إسرائيل صفعة أخرى على وجه قطاع الرياضة خاصة بعدما أدلى مفوض الاتحاد الأوروبى للرياضة جلين ميكاليف بتصريح نادر وموجز ردًا على الدعوات المتزايدة لمنع إسرائيل من المشاركة فى الفعاليات الرياضية الدولية بسبب الحرب فى غزة إذ أكد ميكاليف أنه لا مكان فى الرياضة للدول التى لا تلتزم بقيم الاتحاد ولا ينبغى أن يكون هناك مكان فى الفعاليات الرياضية لمن لا يشاركوننا قيمنا فالرياضة أداة نستخدمها لتعزيز السلام ومنصة ندافع من خلالها عن حقوق الإنسان.
كما دفعت دعوات المقاطعة شركات الملابس الرياضية الكبرى لإلغاء وانسحاب من عقود رعاية موقعة بالفعل مع إسرائيل فبعد أديداس وبوما أصبحت إيريا الإيطالية أحدث علامة تجارية رياضية تدرك مدى سمية العلامات التجارية مع إسرائيل والاتحاد الإسرائيلى لكرة القدم وفعلت ذلك فى وقت قياسى حيث أنهت عقدًا لم يبدأ بعد.
حظر الأسلحة
إثر تصويت البرلمان الإسبانى بالإجماع على مشروع قرار يدعو إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل بشكل إيجابى فى الوقت الذى اجتمعت فيه الدول الأوروبية والعربية فى مدريد لحث المجتمع الدولى على إنهاء الهجوم على غزة حيث ساعد التصويت فى إقناع بعض حلفاء إسرائيل القدامى بالانضمام إلى الضغوط الدولية المتزايدة، كما أنها تحث الشركاء أيضًا على فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إس رائيل ولا تستبعد أى عقوبات فردية ضد أولئك الذين يريدون تدمير حل الدولتين إلى الأبد.
تصعيد إسبانى
واتخذت إسبانيا خطوات جادة بالفعل فى هذا الاتجاه حيث أنهت الحكومة الإسبانية عقد شراء الذخيرة من شركة IMI Systems الإسرائيلية من جانب واحد وقدرت عملية الشراء المخطط لها بقيمة 6.6 مليون يورو مقابل 15 مليون رصاصة لصالح وزارة الداخلية وأكد مجلس الرقابة على الدفاع والصادرات ذات الاستخدام المزدوج فى إسبانيا رفض منح شركة تصنيع الأسلحة الإسرائيلية ترخيص استيراد الذخيرة لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة كما أكدت أيضا الحكومة الإسبانية أنها لا تتعامل تجاريًا مع حكومة تمارس الإبادة الجماعية وترتكب مجازر بحق الشعب الفلسطينى.
ويرى المحللون أنه إذا نجحت إسبانيا فى إقناع الاتحاد الأوروبى بفرض حظر على توريد الأسلحة قد يكون لهذا الأمر آثار مهمة حيث سيضعف الحظر قدرة إسرائيل على استكمال حربها فى القطاع فبدون القدرة على الوصول إلى أنواع معينة من الأسلحة فإن وتيرة وكثافة العمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة قد تنخفض مما قد يقلل من الخسائر ويسمح للمساعدات الإنسانية بالتدفق بحرية أكبر ويمكن المجتمع الدولى من الضغط عليها للعودة إلى مفاوضات السلام وتبنى نهج أكثر إنسانية والتخلى عن خطط التطهير العرقى والإخلاء ومن شأنه أيضا أن يظهر التضامن مع القضية الفلسطينية ويرسل إشارة قوية مفادها أن المجتمع الدولى على استعداد للتصرف بحزم ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولى من قبل إسرائيل.
المقاطعة الدولية
فى السياق ذاته، هدد التصرف العشوائى من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى بإطلاق النار بالقرب من مجموعة من الدبلوماسيين الأجانب الذين كانوا يزورون جنين فى الضفة الغربية بإعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع إسرائيل بعد أن تحركت العديد من الدول وعلى رأسها إيطاليا بريطانيا والسويد واستدعت السفراء الإسرائيليين اعتراضا على الحادثة وتدهور الوضع فى غزة، كما أصدرت المزيد من الدول الأوروبية والعربية إدانات حادة وطالبوا بتحقيق فورى الأمر الذى يؤكد أن إسرائيل فى طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة.
لكن، رغم هذه التحركات المهمة لا تزال بعض الاتفاقيات سارية المفعول مما يوفر لإسرائيل دعمًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا مستمرًا حتى فى ظل سياساتها التى أدينت على نطاق واسع باعتبارها انتهاكات للقانون الدولى وطالما بقيت هذه الاتفاقيات سارية فإن حكومة إسرائيل محمية من العواقب الكاملة لأفعالها مما يقوض مصداقية وفعالية السياسة الأوروبية لحقوق الإنسان وعلاوة على ذلك فإن العقوبات المفروضة حتى الآن محدودة النطاق إذ لا تستهدف سوى عدد قليل من الأفراد والكيانات بينما لا تزال آلية الاحتلال والعدوان العسكرى الأوسع نطاقًا دون مساس.
ورغم أن خطوة الضغط الأوروبى بسبب الأزمة الإنسانية فى غزة حتى الآن غير كافية وجاءت متأخرة كثيرا حيث فقدت غزة ما يقرب من 55 ألف إنسان ونزح 1.9 مليون شخص إلى جانب تدمير كامل للبنية التحتية وتحول غزة إلى أرض محترقة لا تصلح للحياة إلا أنها تعد طوق نجاة وخطوة فى الاتجاه الصحيح.