
محمد جمال الدين
الوزير (هنو).. الثقافة حق للجميع
منذ 60 عامًا بالتمام والكمال، بدأ نشاط الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1945 تحت مسمى الجامعة الشعبية، وتغير اسمها فى سنة 1965 إلى جهاز الثقافة الجماهيرية. وفى عام 1989 صدر القرار رقم 63 لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة، وهى هيئة حكومية مصرية تابعة لوزارة الثقافة، تهدف إلى المشاركة فى رفع المستوى الثقافى وتوجيه الوعى القومى للجماهير فى مجالات السينما والمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والتشكيلية ونشاط الطفل وخدمات المكتبات فى القاهرة وباقى محافظات مصر.
وبدلا من الاحتفال بهذه الذكرى السعيدة، فوجئت كما فوجئ غيرى بقرار إدارى صادر من الرجل المسئول عن ثقافة مصر، (بحكم منصبه) ، يتم بمقتضاه غلق أكثر من 100 قصر ثقافة ومكتبة، تحت زعم أن مثل هذه المواقع غير ملائمة للعمل الثقافى، بخلاف كونها غير مؤهلة لاستقبال المواطنين، لصغر مساحة بعضها التى تتراوح ما بين الـ 30 والـ 40 مترًا، أغلبها متخم بعدد كبير من الموظفين، يفوق عددهم عدد من يرتادها، وبالتالى لا تسمح تلك المساحة بإقامة أى أنشطة، كما أن أغلبها متهالك، ولذا فهى فى حاجة ماسة للترميم والإصلاح، وهذا ما ترفضه الوزارة وبرره المسئول عن تلك الهيئة، بأن تلك المنشآت مؤجرة منذ سنوات طويلة من قبل الغير للوزارة، وستعود إليهم وفقا للقانون رقم 10 لسنة 2022 الذى يقضى بإخلاء الوحدات السكنية المؤجرة لشخصيات اعتبارية فى فترة لا تتجاوز خمس سنوات، وبالتالى لا يجوز ترميمها، لأنها فى النهاية ستعود لملاكها فى موعد أقصاه مارس 2027. ولم ير سيادته حلاً لهذا الأمر سوى الإغلاق، دون أن يعوض ذلك بأماكن بديلة، رغم أن القانون صدر منذ ثلاث سنوات، ثم يعود نفس المسئول قائلا: (إن الالتزام بالقانون لا يعد المشكلة الوحيدة لهذه المواقع، بل يتعداه إلى جملة من المشكلات الأخرى تراكمت عبر الزمن، مما يجعلها لا تحقق الأهداف المرجوة من استمرارها أصلا. من حيث المساحة والتجهيزات ومستوى السلامة المهنية، كما أن هذه المقار تعانى من عدم أهليتها للحصول على إجازة تشغيل من إدارة الدفاع المدنى، بحكم تصميمها وعدم مطابقتها لاشتراطات الأمن الصناعى والسلامة، وهذا يمثل تهديدًَا حقيقيًا على سلامة العاملين بها والمترددين عليها. ولهذا يعد حديث البعض عن الغلق مجتزأ، ولا يعكس حقيقة ما نسعى إليه، لأننا ننوى تدريجيًا التنقل إلى نموذج أكثر مرونة وانفتاحًا على المجتمع، يعتمد على أدوات متحركة وفعالة مثل القوافل الثقافية، والمكتبات والمسارح المتنقلة، التى تجوب القرى والنجوع والمناطق البعيدة، وقد ثبت بالتجربة أن هذا النموذج أكثر انتشارًا وتفاعلاً من الاعتماد على المقرات الثابتة. وهنا تحديدا أقول لمن يقول ذلك أو حتى يؤيده، أن ذلك الأمر غير صحيح بالمرة والحديث عنه ليس بجديد، وقد ثبت بالتجربة أيضا، أنه لم يحدث الأثر المرجو منه، لكونه ينفذ دون استمرارية أو متابعة حقيقية، وبالتالى كان أداؤها باهتًا ولا يصل للجمهور فى أغلب الأحيان. بل إن تكلفتها من صيانة وسولار ومكافآت تتجاوز بكثير نفقات الماء والكهرباء فى المواقع الثابتة التى تسعى الوزارة إلى غلقها.
كما أن الحديث عن تقديم الثقافة عبر تطبيقات أو ابلكيشن كما جاء على لسان رئيس الهيئة، أو تحسين الدخل من خلال فتح مقاهى ثقافية أو لوحات إعلانية فى المواقع الثقافية، مثل ما سيحدث فى مدينة العلمين، أو فى مدينة الغردقة لجذب السائحين، أمر يدعو للدهشة من قبل من يفكرون أو يضعون خطط بهذه الطريقة، لأن ما يهمنا فى المقام الأول هو المواطن المصرى، الذى من المفترض أن تقدم له مثل هذه الخدمات، التى من الممكن أن تقدمها هيئات أو وزارات حكومية أخرى، ليس من بينها بالتأكيد الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وبخصوص الحديث عن عدد العاملين وضيق المساحة، فهو قياس خاطئ علميا، لأن العبرة هنا ليست بالعدد أو الحجم، ولكن بما يقدم من محتوى معرفى وثقافى، ومدى تأثير هذا المحتوى على المجتمع، وفيما يخص قصر الثقافة الافتراضى، الذى يتيح للمواطنين الذين يملكون هاتفًا ذكيًا، صرح المسئول عن الهيئة (أن أى مواطن يملك مثل هذا الهاتف بإمكانه أن يحصل على خدمات معرفية وثقافية متنوعة من أى مكان، يأتى ذلك فى إطار استراتيجية شاملة للرقمنة تواكب العصر وتخاطب الأجيال الجديدة).. وهنا واجب وفرض على وعلى غيرى أن يذكر سيادته، أن فى مصر العديد من المناطق تعانى من ضعف خدمات الإنترنت، وبالتالى لن تكون هناك عدالة فى الاستفادة من هذه الخدمات بين كل أقاليم المحروسة، ودليلى على ذلك فشل التعليم عبر الإنترنت فى مصر، الذى منيت به وزارة التربية والتعليم، ويرجع إلى عدة عوامل، من بينها ضعف البنية التحتية للإنترنت فى العديد من المناطق، كما أن هناك بعض المعوقات المتعلقة بالموظفين ومتلقى تلك الخدمات، مثل عدم خبرة بعضهم فى استخدام التقنيات الرقمية، وخاصة أن تلك الخدمات سيتمتع بها الأكثر قدرة ماديًا، دون غيره ممن يفتقدون هذه القدرة، فى ظل الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها السواد الأعظم من المصريين. وبالتالى لن نسمح بتكرار الفشل مرة أخرى، لأن الظروف والأسباب واحدة فى الحالتين حال تطبيق ما يطالب بها المسئول عن قصور الثقافة.
أخيرا.. نعلم جميعا أن هناك أزمات ومشاكل فى بيوت الثقافة نال منها الزمن، لكن حلها لم ولن يكون بالإغلاق، بل بإعادة التفكير فى دور كل مؤسسة ثقافية، شريطة هيكلة هذه المؤسسات وبحث سبل تطويرها وما تقدمه من خدمات للمجتمع نحن فى أمس الحاجة إليها، حتى تصبح ركيزة أساسية من ركائز حصون مصر فى معركة الوعى والتنمية.