
أسامة سلامة
دون تخوين أو تكفير.. قضايا الميراث تريد حلا
فتحت قضية أحفاد الدكتورة نوال الدجوى وما جرى من نزاع بينهم على الميراث، قضية المواريث من جديد، خاصة أن هذا الصراع جرى رغم أن صاحبة المال والممتلكات مازالت على قيد الحياة، مأساة درامية لم يكن أحد يتخيلها، نهاية دموية لحفيدها والذى مات بطلق نارى فى جبهته وقيل إنه انتحار، وتردد كلام على لسان محاميه يشير فيه إلى شبهة جنائية، وسبق ذلك جريمة سرقة لأموال ومجوهرات ومصوغات ذهبية بقيمة كبيرة من منزلها وتبعها اتهامات متبادلة بين أحفادها من ابنها وابنتها المتوفيين بأن كل طرف وراء هذه السرقة، إذن نحن أمام نزاع على الميراث تطور ليصبح صراعا دمويا، كل هذا يجعلنا ننظر إلى قوانين المواريث ونطالب برؤية جديدة تقلل من الخلافات بسببها، وهو ما كان طرحه منذ أسابيع الدكتور سعد الهلالى من خلال تفسير جديد لآيات المواريث، خاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الأبناء الذكور والإناث فى الميراث، وهنا أتذكر ما طرحه الرئيس التونسى الراحل الباجى قايد السبسى عام 2018 عندما كان رئيسا للجمهورية التونسية حيث اقترح قانونا جديدا للأحوال الشخصية فى تونس ينص على المساواة بين الرجل والمرأة فى المواريث، ويتضمن استثناء يتيح لمن يريد من أصحاب التركات تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية «للذكر مثل حظ الأنثيين» حيث قال الرئيس السبسى وقتها «إنه مراعاة للمشاعر الدينية فإنه يقترح إمكانية الاستثناء من هذه القاعدة فى القانون، وإذا كان صاحب التركة يريد بحياته تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية فى توزيع الإرث بين بناته وأبنائه فله ذلك، ومن يريد تطبيق الدستور بحذافيره فله ذلك أيضا»، اقتراح السبسى وقتها أثار ضجة كبيرة ليس فى تونس وحدها ولكن فى العالم العربى كله، وكانت المعارضة قوية فلم تتم الموافقة عليه، وطواه النسيان، ولعلها الآن فرصة لإعادة مناقشة هذا الاقتراح مرة أخرى بهدوء، وكنت قد كتبت وقتها مطالبا بعرض الأمر للنقاش المجتمعى فى مصر، فوجود قانونين يحق للمواطن الاختيار بينهما قد يخفف من خلافات الميراث، ويحل أيضا مشكلة المعترضين الذين يرون أن المساواة بين الذكور والإناث يخالف الشريعة الإسلامية، خاصة الأزهر الشريف الذى يؤكد رجاله أن نصوص المواريث واضحة ولا تحتمل التأويل، وأيدته دار الإفتاء فى ذلك، ولم يحد عن الصف سوى عدد محدود من الأزهريين مثل الدكتور سعد الهلالى وهو ما عرضه لهجوم عنيف من أبناء الأزهر، قضايا الميراث معقدة وكل حالة مختلفة عن الأخرى فى ظروفها ووضعها فرغم كلام الأزهر إلا أنه يوجد مسلمون يتحايلون على قواعد المواريث عندما تضطرهم الظروف إلى ذلك، مثل أن يبيع الأب ممتلكاته لبناته لأنه ليس له أولاد ذكور وذلك حتى لا يشاركهن أعمامهن فى الميراث، خاصة إذا كانت العلاقة غير متواصلة معهم، أو أن الأب يخاف على بناته من الفقر والاحتياج بعد وفاته، أيضا أحيانا تكتب الأم بعضًا من ممتلكاتها لبنتها حتى تتساوى مع أخيها، وهناك حالات ترعى فيها الابنة أمها أو والدها أكثر من الأبناء الذكور ولذلك يريد الأب والأم مكافأتها بجزء أكبر من الميراث، ولكن هناك من يرفض هذه الإجراءات ويراها حراما ويترك توزيع الميراث كما حددته الشريعة، قضايا الأحوال الشخصية كثيرة مثلا أثير جدل منذ فترة حول هل من حق الزوجة الحصول على جزء من ثروة زوجها إذا طلقها، وهو ما طالب به البعض ورفضه البعض الآخر، رغم أن الحل موجود فعلا حيث إن الزواج فى الإسلام هو عقد مدنى يمكن أن يتضمن أى شروط برضاء أطرافه، مثل أن تشترط الزوجة على زوجها ألا يتزوج مرة أخرى وهى على ذمته وهو ما حدث فى عقد زواج رائد التنوير رفاعة رافع الطهطاوى عام 1840 أى منذ 185 عاما، أو أن تطلب الزوجة أن تقتسم مع الزوج ثروته إذا طلقها، أو أن يمنحها مبلغا معينا كل شهر أو أن يأتى لها بخادم، من المؤكد أن توعية المرأة بهذا الحق يوفر علينا كثيرا من الجدل، رغم رفض المتشددين لكل ما سبق، ولهذا فإن الاقتراح يضع أمام المواطن خيارات عديدة، وله أن يختار ما يريحه وما يناسب ظروفه ورؤيته الدينية،، وفى هذه الحالة فإن الأصل هو تطبيق قواعد المواريث كما جاءت فى الشريعة ومن يريد تطبيق القانون المدنى يذهب إلى المحكمة ويثبت رغبته أمامها، كما أن وجود هذا القانون يحل بعض مشاكل المسيحيين فى المواريث والزواج، ولكن يبقى السؤال: هل يمكن أن نناقش هذا الاقتراح بهدوء وعقلانية؟، قضايا الأحوال الشخصية تحتاج إلى حوار عاقل حتى نجد حلولا للمشاكل التى يعانى منها المجتمع دون تكفير أو تخوين.