الإثنين 2 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مسئولية غائبة!

مسئولية غائبة!

أعلم أن عددًا ليس قليلًا من رجال الأعمال لديهم إسهامات فى إطار «المسئولية المجتمعية» سواء من خلال مؤسسات أو جمعيات أنشأوها، وهم يخصصون تمويلات منتظمة لذلك فى مجالات كالتعليم والعلاج والتشغيل وتطوير بعض المناطق والتبرعات بأنواعها، وبعضهم يقدم مساهمات نوعية مهمة كالمنح الدراسية بجامعات عالمية كبرى لخريجين متميزين، أو جوائز مالية محترمة لشباب متفوقين ومبدعين.



ومع ذلك وبوضوح، فالصورة الذهنية السائدة عن رجال الأعمال سلبية.. تماثل نفس الصورة الممتدة من عقود سابقة وأهم ملامحها:

أنهم يكسبون أموالًا طائلة ويحققون ثروات مليارية هائلة، ومصدرها يتم عادةً التشكيك فيه والنظر إليه بريبة.

وأنهم يعيشون فى عالم خاص لا علاقة له بالواقع الذى تعيشه الأغلبية الكاسحة من المواطنين.

وأن وجودهم الإعلامى (سواء بذواتهم أو بما يُنشر ويُعرض بخصوصهم) يخلو من أى أبعاد اجتماعية أو عامة ويرتبط فقط بالترويج للجانب المتعلق بمشروعاتهم.

وأن أغلب الأسماء دائمة الظهور ترتبط بأنشطة اقتصادية استهلاكية وبعضها مستفز للعامة (كالعقارات باهظة الثمن).

وأن عددًا منهم يهتم بالجانب المظهرى الذى يصل أحيانًا إلى حد الاستعراض المبالغ فيه بالثروة، ويبدو ذلك سواء فى مناسباتهم الخاصة أو ممتلكاتهم الشخصية.

وأن بعض الأسماء التى دخلت إلى المشهد العام ليس واضحًا التاريخ الاقتصادى لهم ولا مسارهم فى بناء ثروات تؤهلهم للاستثمار على نطاق واسع وفى مجالات متعددة.

وفى تقديرى فإن سلامة الصورة الذهنية العامة لمجتمع المال والأعمال ليست ترفًا ولا هى أمر يُترك للاجتهادات والرغبات الشخصية، بل قضية شديدة الأهمية والخطورة كونها تمس السلام الاجتماعى.

ولا أظن أن رجال الأعمال يجوز أن يكونوا غافلين عن ذلك ليس فقط لأن إيجابية دورهم وسلامة صورتهم الذهنية فى صالح المجتمع، بل أيضًا لأنها العنصر الضامن لمصالحهم الشخصية وغيابها خطر حقيقى داهم لا يطالهم هم فقط.. ببساطة لأن النتيجة المنطقية هى حالة من الاحتقان والضغينة والكراهية تتراكم ضد المجتمع كله، وقد لا يمكن السيطرة عليها فى لحظة ما، خاصة تحت وطأة ظروف اقتصادية صعبة، وهو أمر لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به.

وأتصور أن هناك خطوات يمكن التفكير فيها.. من جانب رجال الأعمال أصحاب التاريخ الاقتصادى المعروف أو هؤلاء الذين دخلوا إلى المشهد العام بطريقة منطقية واضحة.. وكل هذه الخطوات تتصل بإعادة بناء أو توجيه الصورة الذهنية.. ومنها :

-أن يزيدوا من حجم مبادراتهم ومشروعاتهم الخدمية وتبرعاتهم، ويهتمون بعرض تفاصيل المؤسسات والجمعيات التى أنشأوها لهذا الغرض وحجم ونوع أعمالها، وأن يكونوا هم أنفسهم جزءًا من ذلك بظهورهم الشخصى، ولا يتم ذلك بشكل دعائى فج أو فى إطار المن والتفاخر، بل بحس اجتماعى وسياسى واعٍ يوضح أن تلك المساهمات جزء أصيل من دورهم وأن استقرار المجتمع وأمانه العامل الأساسى فى استمرار نجاحهم، وأنهم مدركون أن وجود مصلحة للناس فى نمو أعمالهم هو عصب مصلحتهم الشخصية.

-أن يتضمن ظهورهم الإعلامى جانبًا إنسانيًا ومهنيًا فيما يمكن أن نعتبره «مشاركة التجربة الشخصية» بحيث يصل إلى الجمهور العام أنه ليس كل صاحب ثروة مليارية هو شخص فاسد، وأن هناك مشوارًا للصعود وشروطًا للنجاح وتحديات وأزمات وصراعات تُدار فى كل مرحلة.

-أن يشمل أيضًا ظهورهم الإعلامى حديثًا عن أفكارهم ومواقفهم تجاه قضايا المجتمع المهمة وبعض الجوانب المتعلقة بالثقافة والتعليم بالذات، والأمور التى تشغل المواطنين بصرف النظر عن ارتباطها بتخصصاتهم وأنشطتهم الاقتصادية.

-والأهم أن يراعوا إلى أقصى حد ممكن الاعتبارات الاجتماعية فى مناسباتهم الخاصة فلا يصبح استعراض الثروة منهجًا ولا المزايدة على بعضهم البعض فى البذخ هدفًا لأن التأثير الاستفزازى لذلك أكبر مما يتصورونه حتى وإن لم تظهر له نتائج لحظية.

وحتى نمد الخط على استقامته فى تلك القضية – التى أراها مهمة بالذات فى الوقت الحالى – فإن فئات أخرى من أصحاب الشهرة لا بد أن يكون لديهم «حس المسئولية الاجتماعية» ومراعاة طبيعة المرحلة التى نعيشها وعلى رأس هؤلاء، الفنانون ونجوم الكرة، ويؤسفنى القول أن ما نراه هو عكس ذلك، بل يمكن اعتبار أن هذا النوع من الوعى غائب لدى أغلبهم وأنه لا يبدو منهم إدراكا حقيقيا لفكرة أن لهم دورًا اجتماعيًا من الضرورى أن يقوموا به، وباستثناء مبدأ «أخذ اللقطة» أو بعض مساهمات فى مبادرات لمؤسسات علاجية وخيرية.. فإن أحداث ومواقف كثيرة مرت علينا خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل، لم نشهد فيها لنجوم الفن والكرة أدوارًا ومبادرات حقيقية ومؤثرة – جماعية أو فردية - بل إن أغلب ما ينشرونه أو يُنشر عنهم له نفس الطابع الاستعراضى المستفز أو المتعلق بنزاعات مهنية وشخصية ومالية.