ساهم فى إعادة «روزاليوسف» إلى بريقها الذهبى فى التسعينيات وداعًا التهامى مانح الفرص.. داعم الكفاءات الشابة

سوسن الجيار
ترجع مسيرتى الصحفية فى مجلة روزاليوسف إلى عام 1984، ففى ذلك الوقت كانت الأمور داخل المجلة مستقرة ومحتملة عن باقى المؤسسات الصحفية. ولم أعرف الأستاذ محمود التهامى إلا عندما اختير سكرتير تحرير المجلة فى عهد الأستاذ عبدالعزيز خميس رئيس مجلس إدارة المؤسسة ورئيس تحرير المجلة حينها وتزاملنا وقتها وآخرون معًا فى حجرة واسعة وكان من حظى أن جاء مكتبى بجوار مكتبه مباشرة فعرفته كإنسان مخلص وراقٍ بمعنى الكلمة، علمنى الكثير ولم يبخل على ولا على زملائى بمعلومة وكان يحترم الصغير قبل الكبير.. كان أخًا وصديقًا وزميلاً عزيزًا مدى حياته العامرة.
فقدت «روزاليوسف»،الأسبوع الماضي، واحدا من الأسماء البارزة على ترويسة «المجلة» في عصرها الذهبي، وهو الأستاذ محمود التهامي.. قطعًا كان شريكا في التجربة، حتى لو بفتح الطريق لجيل هو الأبرز في تاريخ المهنة كلها. هم الآن أسطوات الصحافة ونجوم الإعلام.
عرفناه مؤمنًا محتسبًا عندما فقد شريكة حياته وأم أولاده إثر مرض عضال طويل ولم يتركها لحظة رغم مسئولياته ونعاها بقلمه فى افتتاحيته بالمجلة بمقالة أبكت القراء قبل زملائه الصحفيين، ورأيناه مؤمنًا صابرًا عندما فقد ابنه الأكبر أيمن فى ريعان شبابه تاركًا وراءه زوجة شابة وطفلًا رضيعًا فى بدايات العمر ليتولى مسئولية أخرى صعبة إضافة إلى مسئولياته الجسام.
ومع مرور الوقت أصبح الكاتب الصحفى الكبير محمود صدقى التهامى من أبرز الشخصيات فى تاريخ الصحافة المصرية، حيث تولى مناصب قيادية مهمة فى مؤسسة روزاليوسف. بداية من سكرتارية التحرير فى عهد عبدالعزيز خميس، ثم تولى منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة روزاليوسف لمدة 15 عامًا، من عام 1983 حتى 1998، وهى فترة شهدت تحولات سياسية وثقافية مهمة فى مصر.
سمح الأستاذ محمود التهامى بتجربة صحفية مثيرة أثمرت جيلًا جديدًا من الصحفيين الموهوبين، ففى عام 1992، قرر إسناد مهمة إدارة التحرير إلى الأستاذ عادل حمودة صاحب الخلطة السرية، مما أتاح له فرصة قيادة الفريق التحريرى وتقديم محتوى صحفى متميز، وأثمرت هذه الخطوة عن تقديم أعداد مميزة نالت استحسان القراء والنقاد على حد سواء. والكشف عن العديد من قضايا الفساد ومحاربة الفكر المتطرف.
واتسمت علاقته بالأستاذ عادل حمودة، نائب رئيس التحرير فى فترة التسعينيات، بالمهنية والثقة المتبادلة والتكامل فى الأدوار، مما ساهم فى إعادة المجلة إلى بريقها الذهبى خلال تلك الحقبة. وكونوا فريقًا قويًا من الصحفيين ضم كلا من إبراهيم عيسى صاحب البرامج التليفزيونية المثيرة وعمرو خفاجى ومحمد هانى وطارق الشناوى وعبدالله كمال الذى ساهم فى تغطية قضايا مهمة، مثل قضية «عبدة الشيطان» التى أثارت جدلاً واسعًا فى التسعينيات، ووائل الإبراشى الذى بدأ مسيرته فى روزاليوسف، وأصبح لاحقًا من أبرز الإعلاميين فى مصر، ومجدى مهنا الذى تميز بتحقيقاته الصحفية العميقة، وكان له تأثير كبير فى الساحة الإعلامية.
عُرف التهامى بقيادته الإنسانية للصحفيين والموظفين وعمال المطابع وحتى السعاة كما عُرف بشغفه بالصحافة واهتمامه بمستقبل المهنة، حيث تتلمذ على يديه العديد من الصحفيين الذين أصبحوا رموزًا فى المجال الإعلامى.
وللتهامى إنجازات صحفية بارزة حيث طور مجلة روز اليوسف خلال فترة رئاسته، من حيث المحتوى والشكل، مما ساهم فى زيادة انتشارها وتأثيرها فى الساحة الإعلامية المصرية، كما دعم الكوادر الصحفية الشابة وكان حريصًا على اكتشاف ودعم المواهب الصحفية، مما أدى إلى بروز عدد من الصحفيين، كما ركز التهامى على تناول المجلة للقضايا الوطنية المهمة، مما جعل روزاليوسف منبرًا لمناقشة الموضوعات الحيوية التى تهم المواطن المصرى.
ووصف الأستاذ عادل حمودة الأستاذ محمود التهامى بأنه «مانح الفرص»، مشيدًا بقدرته على تمكين الكفاءات الشابة وتغليب مصلحة المؤسسة على المصالح الشخصية، وأنه كان سببًا فى تجربة صحفية أثمرت جيلًا جديدًا من الصحفيين الموهوبين.
ورغم العلاقة المهنية القوية بين محمود التهامى وعادل حمودة، لم تخلُ تلك الفترة من بعض التحديات والخلافات، خاصة فى أواخر التسعينيات، حيث شهدت المجلة بعض التوترات بين إدارة التحرير والكوادر الصحفية. ومع ذلك، لم تؤثر هذه الخلافات على الاحترام المتبادل بينهما، واستمرت العلاقة المهنية قائمة على الحب والتقدير والثقة حتى لحظة انتقاله للرفيق الأعلى.
باختصار، كانت العلاقة بين الأستاذين محمود التهامى وعادل حمودة نموذجًا للتعاون المثمر فى مجال الصحافة، حيث جمعت بين الحكمة والخبرة من جهة، والطموح والابتكار من جهة أخرى، مما أسهم فى إثراء المشهد الإعلامى المصرى خلال فترة التسعينيات.
بعد تقاعده، لم يتوقف التهامى عن العطاء، حيث شارك فى العمل الاجتماعى من خلال جمعية أصدقاء معهد الأورام ومجلس إدارة مستشفى 57357، مساهمًا فى دعم القطاع الصحى والخيرى فى مصر. رحم الله الأستاذ محمود التهامى، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة بإذن الله رب العلمين.